بخطوات هادئة واثقة.. تسير نحو وسط حلبة السيرك.. بقعة إضاءة تتابعها في حركاتها. زيها الأخضر الفضفاض وشعرها الاحمر يتناقضان مع هدوءها الظاهري. تتوقف في منتصف حلبة السيرك تماما. تنظر حولها للحظات بابتسامة واثقة... تخرج منديلها الأزرق وتلوح به في الهواء قبل أن تنحني وتستعد لتقديم فقرتها
----------------------------------------------------------------------------------------------------------
تجلس في غرفة ملابس مظلمة إلا من إضاة خافتة تصدر عن أباجورة متواضعة تقبع مهملة قرب المرأة.. ببطء تضع سيجارة بين شفتيها المرسومتين بلون أحمر داكن.. تشعل السيجارة ونظرها لا يفارق انعاكسها في المرآة.تلتقط نفسا عميقا ثم تنفثه في وجه الانعكاس.. تضع يدها على خدها الايسر تتحسس ملمس بشرتها تحت أكوام دهان الوجه الابيض. تنتظر إلى أن ينقعش الدخان ثم تطفأ السيجارة دون أن تكملها.. تمد يدها إلى علبة مناديل رطبة.. تمرر المنديل على عينها اليسري لتمسح الخطوط المرسومة بالكحل..
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
تخرج من جيبها الأيسر زجاجة صغيرة مثل زجاجات العطور المقلدة... تحوي حفنة رمل.. ترفعها بثقة استعراضية وتدور بها حول حلبة السيرك.. تسقط بقعة إضاءة أخرى منتصف حلبة السيرك على دمية ترتدي شعرا مستعارا مبهرجا ألوانه الأزرق والأحمر والأصفر تجلس على كرسي وقد وضعت رجلا بلاستيكيية فوق الأخرى ومدت يدها اليسرى البلاستيكية إلى الأمام بكف مفتوح.. تكمل دورتها حول حلبة السيرك قبل أن تتجه إلى منتصف الحلبة وتصبح بقعة إضاءتها مواجهة لبقعة إضاءة الدمية.. تقف أمام الدمية لحظة.. قبل أن تنحني..
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
تنتهي من إزالة رسم الكحل من على عينيها.. تفر دمعة من عينها اليمني.. تسارع لمسحها قبل أن تفسد الدهان الأبيض ناسية أنها ستزيله عن وجهها بعد لحظات.. تجفف عينها بحرص.. تنظر لنفسها للحظات.. تبدأ محاولات عابثة لرسم ابتسامة.. تتعثر.. تحاول مرة أخرى.. إلى أن تحصل على ابتسامة واسعة تملأ وجهها..
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
تتجه بخطوات بطئية نحو الدمية.. تفتح الزجاجة المسدودة بفيلينة صغيرة.. ترمي الفيلينة باستهتار خلف ظهرها.. تقف أمام الدمية وتبدأ بسكب الرمل ببطء شديد في كف الدمية المفتوح. صمت تام لا يسمع خلاله سوى أزيز الرمال وهي تنهمر صانعة خطا رفيعا من الحبات المغلوب على أمرها.. تحرص على ألا تقع حبة خارج كف الدمية.. تراقب حتى ترى آخر حبة وهي تسقط في الكف.. ترفع الزجاجة وتنظر لها قبل ان تلقيها خلف ظهرها..تتراجع خطوتين للوراء..
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
تزيل آخر بقعة دهان من على خدها الأيمن.. ترفع يدها لتنزع المشبك الذي تربط به شعرها الأشقر.. ينسدل شعرها الطويل نسبيا على كتفيها.. تتأمل نفسها في رضا ثم تنهض متجهة إلى الشماعة.. تتناول معطفها وحقيبتها الأسودين.. ترتدي المعظف وتلقي نظرة أخيرة على المرآة قبل ان تفتح الباب لتخرج..
-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------
تقف صامتة لوهلة قبل أن ترفع قدمها اليمنى بحركة سريعة لتركل كف الدمية فتتطاير حبات الرمل في الهواء.. تتابع كل حبة ببصرها وهي تحلق في الهواء قبل أن تهوي ساقطة على الأرض.. تقفز في مرح طفولي شديد منتشية بخدعتها.. تنظر بفخر للأمام.. تنحني في ثقة.. ترفع رأسها وعلى وجهها ابتسامة عريضة.. تخفت بسرعة عندما تدرك.. ان لا أحد هناك..
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
تسير بخطوات وئيدة في ممر ضيق تتراص على جانبه الغرف.. تشكل الجدران البيضاء الشاحبة تناقضا صارخا مع أسودها.. حقيبتها معطفها.. تنورتها.. حذاؤها.. تواصل السير حتى ينتهي الممر بمنعطف يمين..
------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
يبدو عليها الوجوم عندما تدرك وحدتها.. تجول ببصرها يمينا ويسارا.. تنظر أخيرا إلى الدمية وتنحني.. تتجه بخطوات ثقيلة إلى الخارج.. تقف لحظة ثم تدير رأسها ناحية الحلبة.. تراقب الدمية الجالسة باسترخاء على كرسيها غير عائبة بحركة من عدمها.. تضم ياقتي معطفها الاسود قبل ان تفتح باب السيرك.. وتخرج..
1 comment:
جميلة
حقيقي أدهشتيني
Post a Comment