Thursday, September 30, 2010

Body Art

قبل نحو عامين كنت قد كتبت تدوينة عن التصوير، تطرقت فيها بشكلٍ "عابر" و"مجرد" إلى تصوير الجسد العاري. لم تكن السطور القليلة التي كتبتها تشير إلى تجربة شخصية لكنها كانت أقرب إلى تصور "عام" و"مجرد" عما يعنيه الجسد العاري بالنسبة لي وعن كيفية استغلاله في عملية "الالتقاط" كشكل من أشكال محاكاة الطبيعة، في ابتعاد - ربما يكون ساذجاً- مني عن الدلالات الحسية التي ترتبط بذلك الجسد، سواء كان لرجل أو امرأة.
-------------------------------
قبل ثلاثة أشهر تقريبا، خضت أول تجربة لي مع تصوير جسد عار.. الموديل كانت صديقة أجنبية وكانت هي التي طلبت مني تصويرها لأسباب شخصية ولهذا السبب لم أنشر هذه الصور لا هنا ولا في أي مكان آخر. المهم أنني انتهزت الفرصة لأضع تصوري "المجرد" عن تصوير الجسد العاري موضع التنفيذ. كنا في منزلها ولم تكن هناك وحدات إضاءة مناسبة لذا اضطررت للتصرف باستخدام ثلاث أباجورات متواضعة قمت بتوزيعها حول جسدها للحصول على التأثير المناسب. بعد أن عدت لمنزلي أخذت أشاهد الصور.. كنت راضية إلى حد ما عن النتيجة بالنظر إلى الظروف "غير الملائمة" التي كنت أعمل فيها، كنت سعيدة لان الجسد كان "مجردا" ولانه انثناءاته كانت أقرب لتكوين طبيعي لا يشي بأي حسية. كنت راضية وسعيدة للغاية لكن بعد ثلاثة أشهر وتحديدا قبل ساعة، أثبت لي مخرج ياباني مدى سذاجتي.
---------------------------------
قبل ساعة من الآن كنت قد انتهيت من مشاهدة الفيلم الياباني A Woman in the Dunes للمخرج Hiroshi Teshigahara. بدون التطرق إلى تفاصيل قد تفسد مشاهدة الفيلم فان ما فعله تيشيجارا بي خلال المشاهدة - إلى جانب المتعة البصرية الخالصة- هو تلقيني درساً في فن تصوير الجسد العاري، الجسد العاري هنا لم يكن محاكياً للصحراء لكنه كان جزءا منها.. لا يستمد منها "تجريدها" لكنه يمنحها من "حسيته". وكما تداعب الرياح كثبان الرمل.. تبعث الحبات الصغيرة الحياة في الجلد العاري، تحفر شقوقا عميقة في مسامه، تنفذ إلى الروح لتوقظ مشاعر بدائية من سباتها وتصعد بها إلى السطح لأراها رؤى العين، وألمسها بأطراف أصابعي،، وأشاهد تدريجيا تحول كلمة "مجرد" في ذهني















Thursday, September 16, 2010

تجربة

قبل ثلاثة أيام قررت إجراء تجربة غريبة دفعني للقيام بها ولعي بعالم الأحلام وما تطرحه دائما أمامي من رموز متجددة ومعقدة أسعى دوما لفك شفراتها.. المهم قادني ذلك الولع لأن أسعى لزيادة مساحة السيطرة على أحلامي التي بدأت بشكل مطرد خلال الشهور الأخيرة. قررت أن أحمل معي شيئا من عالم الواقع لعالم الحلم لأرى إن كان سيكون له أي تأثير على تغيير معالم الأحلام أو حتى طبيعة رموزها. لسبب ما اخترت مفتاحا، هو مفتاح نحاسي لأحد ضلفات دولابي الخشبي الضخم. شكله مميز كما أنه الوحيد من المفاتيح الثلاثة لدولابي الذي لم يطله الصدأ. بدأت التجربة قبل النوم بالجلوس في سريري والنظر مطولا إلى المفتاح.. وقت النوم لم يحدث شيء غير عادي.. كانت أحلامي بغرابتها المعتادة ولم يكن المفتاح جزءا من الحلم. لكني على غير العادة كنت أتذكر تفاصيل الحلم بشكل واضح منذ بدايته تقريبا أو حسبما أذكر.

قررت إعادة المحاولة الليلة التالية.. أيضا لم يحدث شيء باستثناء أنني رأيت المفتاح في الحلم. لم يكن في يدي أو حتى قريبا كفاية مني.. لكنه كان موجودا.

شجعني هذا على مواصلة المحاولة. وفي الليلة الثالثة، دخلت سريري وأنا امسك بالمفتاح، رفعته إلى أعلى وأنا أنظر إليه.. كنت أكثر تركيزا هذه المرة ومعالم غرفتي لم أعد أراها في الخلفية.. أدرك مع تركيزي أنني بدأت أسقط في النوم وأنني في اللحظة نفسها كنت قد بدأت أسقط فعليا في الحلم الذي بدأ من فوره.. أجد نفسي أسقط وأنا ممسكة بالمفتاح داخل بئر أو داخل كتلة من الظلام اللانهائي.. سرعة سقوطي معتدلة والأهم أنني لست خائفة.. ربما لشعور بأنني لن أرتطم بشيء ما لدى السقوط.. انتبه أن جسدي يعتدل تدريجيا من وضع الاستلقاء إلى وضع الوقوف... السواد اللانهائي لا يزال يحيط بي.. اكتشفت أنني توقفت عن السقوط، لا لأن معالم شيء بدأت تتضح بل لان تيارا هوائيا خفيفا كانت يرتطم بظهري أثناء السقوط..خفت تماما بمجرد اعتدال جسدي. أرتدي قميص نوم أبيض مختلف عما ارتديه في الحقيقة.. شعري قصير في الحلم.. أنظر إلى يدي لأجد المفتاح مازال فيها. أنظر حولي فلا أرى سوى السواد في كل بقعة.. أقف لحظة ثم أقرر أن أسير من حيث أنا إلى الأمام.. انتبه لحظتها انني حافية وأن الأرض تحتي- إن جاز لي أن أسميها كذلك- كان لها ملمس غريب ما بين البلاط والتراب.. أبدأ بالسير وبتزامن مدهش- مع بداية سيري- تبدأ أبواب مختلفة الألوان بالظهور على جانبي الأيمن والأيسر. تبدو الأبواب في حالة طفو وعدم ثبات على النقيض من حركتي أنا. أمشي الآن فيما أدرك أنه ممر، الأبواب تواصل الظهور مع مواصلتي السير. أسمع أصواتا تأتي من خلف الأبواب.. لكنني لا أرى سوى أبواب.. لا شيء خلفها سوى الفراغ الأسود.. أحاول أن أصغي لعلي أتبين شيئاً مما يُقال، لكن الأصوات كثيرة وخافتة وتصدر من كل الأبواب في آن واحد. أدرك بشكل غريزي بعدها أن مفتاحي لن يتمكن من فتح هذه الأبواب وأنني في الحقيقة لست مهتمة كثيراً بما وراءها. أكف عن الاستماع للأصوات وأواصل السير. أدرك بطريقة ما أنني أبحث عن شيء وأنني سأجده أمامي في أي لحظة.. أنظر إلى المفتاح واتساءل عن دوره إن كان لن يساعدني في فتح الأبواب.. تأتيني الإجابة في شكل بابين من خشب محترق ومهتريء يظهران فجأة أمامي لينتهي بهما الممر الافتراضي. منظر البابين مقزز للغاية ومع ذلك فان مقبضيهما نحاسيان يلمعان بنظافة وأناقة لا صلة لها إطلاقاً بشكل البابين. ينتابني فجأة احساس بالقلق. أتحرك لكن بتردد. اقترب من الباب الأيسر. أمد يدي بالمفتاح وادخله بتروٍ.. لا أسمع أي تكة تدل على انفتاح الباب لكني أعرف انه انفتح.. أمد يدي بنفور لأدفع الضلفة الخشبية.. أنظر فأجد أمامي شخصان.. رجل وامرأة.. يجلسان على مائدة خشبية متواجهان. يتاهمسان بخبث فيما يبدو.. يشبهان بعضهما إلى حد كبير.. شعرهما أسود.. جسداهما مغطيان بالكامل بالصراصير.. لا يبدو عليهما الانزعاج من الصراصير ولا يبدو أنهما منتبهان لوجودها أصلا.. لا يبدو علي أنا كذلك الاستغراب من المنظر.. لا أشعر فقط سوى بالاشمئزاز من ادراكي لحقيقة أنهما يدبران أمرا ما.. لشخص ما.. يخفيان سراً تحت أكوام الصراصير. أريد معرفة السر لكنني لا أفعل شيئا حيال ذلك.. اكتفي فقط بمراقبتهما وهما يتبادلان الهمسات والضحك والصراصير تحيط بهما من كل مكان. أقرر انني اكتفيت فاتراجع بظهري وأنا أنظر إليهما بقرف قبل أن أغلق الباب خلفي. أنظر إلى الباب الثاني.. اتساءل إن كان له علاقة بالباب الأول.. مرة أخرى أمد يدي بالمفتاح.. افتح الباب وأدخل لاجد نفسي داخل غرفة.. لها حدود خشبية وأرضية خشبية.. غير مستقرة لكن متماسكة.. بين شقوق الخشب أرى تحتي لأول مرة السماء.. عدم رؤية شيء آخر يجعلني أدرك أننا على ارتفاع شاهق.. أنظر لباقي الغرفة فلا أجد فيها سوى سرير خشبي صغير وكومود فوقه أباجورة تُوَلِدُ إضاءة ضعيفة.. على طرف السرير المقارب للكومود تجلس امرأة.. تنظر إلى الأرض باتجاه الكومود.. يدها اليسرى غير ظاهرة أو أنها ليست موجودة بالمرة.. بينما يدها اليمني منشغلة باللعب بكرة سلة لونها برتقالي حاد. ما تقوم به ليس لعبة للتسلية لكنها تضرب الكرة بكفها على الأرض الخشبية فترتد من الأرض إلى كفها في حركة روتينية وإيقاع ثابت لا يتغير.. صامتة تماما.. وكل ما حولها صمت.. حتى حركة الكرة لا تصدر صوتاً. اتساءل إن كانت تميل برأسها بهذه الطريقة لتتجاهل النظر إلى أحد أم لتصيغ السمع لما يحدث خلف الباب الثاني. يتحول نظري إلى يدها اليمني واتعجب من الدقة المدهشة لحركة يدها وكيف تبدو وكأنها كائن مستقل بذاته، منفصل تماماً عن باقي جسدها. تنتابني رغبة شديدة في أن آخذ الكرة منها علها تنتبه.. لكنني أيضا لا أفعل شيئا حيال ذلك.. أشعر فجأة برغبة في الخروج من الغرفة والابتعاد نهائياً عن هذا المكان.. أجد نفسي فجأة داخل سيارتي أقودها عبر طريق صحراوي مظلم وضيق.. اهديء السرعة عندما اقترب من نهاية الطريق وبداية الشارع الرئيسي الذي ادرك انه شارع الثورة القريب من بيتي.. انتظر عبور السيارات ثم اخرج بالسيارة.. أقود بهدوء على غير العادة في أحلامي.. ارتدي بلوزة كنت املكها وأنا في الخامسة عشر.. شعري أطول وأرفعه على شكل ذيل حصان. اكتشف أنني متوجهة بسيارتي إلى محل صغير أخبرتني أمي عنه لاني أريد استبدال جهاز هاتفي المحمول. اتوقف بسيارتي امام المتجر. أصعد ثلاث درجات وأفتح الباب فأجد أمامي سيدة عجوز. أخبرها باني أريد استبدال جهازي -بشريحته وذاكرته- بجهاز آخر جديد تماما. أطلب منها اسم موديل معين لا اتذكره الآن ولا اعتقد أنني سمعت به في الحقيقة. تخبرني أن لديها ما أريد. تمد يدها فوق أحد الرفوف فتمسك بجراب لونه بيج.. تعطيني إياه.. افتحه لأجد بداخله جهاز هاتف محمول لونه أسود جديد تماما.. أعيد لها الجراب وأقول لها إنني لا أفضل اللون الأسود.. اسألها إن كان لديها نفس الموديل لكن باللون البني.. تخبرني بأسف أن اللون البني قد نفد وأن الموجود حالياً هو البنفسجي. تبدو علي خيبة الأمل لكنها تخبرني أن البني والبنفسجي هما في الحقيقة لون واحد فكلاهما مكون من الأحمر والأسود وأن البني يتكون بزيادة درجة اللون الأسود بينما يتكون البنفسجي بزيادة درجة اللون الأحمر في الخلط. استغرب عدم معرفتي بهذه المعلومة في الحلم رغم معرفتي لها في الواقع. أدرك لحظتها أنني أحلم.. أبدأ بالتحفز استعداداً للعقاب الذي سينزله بي عقلي الباطن لينهاني عن هذا الإدراك كما فعل في أحلام سابقة.. أشعر بيد خشنة توضع على كتفي الأيسر.. التفت لأجد رجلا.. تربطني به علاقة وثيقة بالواقع.. كان يرتدي نفس الملابس التي رأيته بها آخر مرة ونظارته الشمسية على عينه وصلعته المميزة وابتسامته الواثقة. قربني بعض الشيء منه ليهمس في أذني كيلا تسمع المرأة.. إنتي عارفة ان البنفسجي هو لون الحقيقة؟ أجيبه.. عارفة.. ما احنا اتكلمنا في ده قبل كدة.. يسألني مرة أخرى.. وعارفة ان البنفسجي هو لونك المفضل؟ أجيبه.. أيوة ما أنا قلتلك ده من شهر كدة.. تختفي ابتسامته فجأة ويزيد من ضغط يده على كتفي ويسألني مرة أخرى.. طب اخترتي البني ليه؟ اسكت تماما.. أنظر له بحيرة شديدة.. أريد أن أجيب لكنني لا أقدر.. يتصاعد بداخلي شعور بالفزع.. لا ينقذني منه سوى الاستيقاظ.