Friday, December 31, 2010

نهايات




يشعر كثيرون بالفزع من كارت الموت في أوراق التاروت.. تُجسد صورة الهيكل العظمي بمنجله شعورا طاغياً وخانقاً بحضور جسدي لقابض الارواح يشلهم عن التفكير في المعنى الحقيقي للكارت أو حتى التمعن في الصورة ذاتها علهم يحصلون على تفسيرات أفضل.. الحقيقة أن الموت في التاروت لا يرتبط كثيراً بالنهايات بقدر ما يرتبط بالبدايات الجديدة.. هو يطوى صفحة.. بعنف وبشكل مفاجيء في كثير من الاحيان، لكن الصفحة المطوية دائما ما تكشف عن صفحة جديدة وطازجة.. وحافلة بكل الاحتمالات.. كارت الموت ببساطة هو روح التغيير.. ما/من لم تعد له قيمة لابد أن يفسح المجال لجديد ربما يكون أبقى وأكثر تأثيراً أو ربما يتحول إلى صفحة أخرى يجب طيها وعدم النظر إليها من جديد.. في جميع الاحوال.. مع كارت الموت.. كل الاحتمالات قائمة. ولهذا يفضل قارئوا التاروت أن يسمونه كارت التحول.
---------------------------------------------
لا أبالغ عندما أقول إن ألفين وعشرة كان عاماً حاسماًَ قلب حياتي كلها رأساً على عقب. التفكير فيمن دخلوا حياتي ومن خرجوا منها وحده كفيل ليصيني بالإرهاق...المشاق كانت كثيرة لكن كذلك كانت اللحظات المميزة.. عام فارق بامتياز، إيجابي في كثير من جوانبه لا أملك في ساعاته الأخيرة أي قرارات مصيرية أو أهداف تنموية لابد أن تتحقق في ألفين وأحد عشر.. لا أملك سوى بعض البذور البسيطة التي زرعتها على مدار العام.. سأراقبها فقط وهي تنمو.

Thursday, December 2, 2010

The Unbearable Lightness of Being Juliette Binoche


كنت أريد أن اكتب شيئا عن لقائي بها.. عن حضورها الذي أضاء قاعة مؤتمرات فندق سوفيتيل بنور رباني أزرق يميل إلى البنفسجي .. عن رقتها وتواضعها وجمالها الخالي من مساحيق التجميل والتكلف.. لكني وجدت أن ترجمة محمد المصري لحواري معها خلال المؤتمر الصحفي أكثر من كافية.. أرفق فقط صورة التقطها لها من وحي فيلم أزرق الذي قامت ببطولته وأخرجه البولندي كريزستوف كيسلوفسكي

ليليان وجدي

... ، يعني انتِ مثلاً ، اتعاملتي مع مخرجين عُظام كتير ، كل واحد منهم ليه رؤيته وليه طاقته الداخلية ، زي ما انتِ كمان ليكِ رؤيتك وطاقتِك ، إزاي الطاقة أثَرت فيكِ كبني آدمة ؟


جولييت بينوش

- عارفة ، أنا دايماً بقول إن المخرج كل ما بتزيد عظمته وثقته في نفسه مبيبقاش ميال للسيطرة ع الممثل ، باستثناء هانِكه اللي عظيم ومع ذلك عنده هسس بالتحكم ومبيسيبش حاجة تعدّي من تحت إيده ، بس بعيداً عن هانكه عشان مجنون ، فكل ما المخرج بيبقى صغير ، ومقصدش السن طبعاً ، كل ما بيحاول يسيطر عليكِ أكتر ويبقى الفيلم وقتها زي الواجب التقيل اللي عايزة أخلص منه ، بس لو المخرج عظيم فعلاً .. بيكتفي بتعليمات صغيرة أو يحكيلك عن تجربة ، زي إشارات تفتَّحلك سكك وانتِ في الآخر اللي هتحسَي الكلام المكتوب وتدَيله حتَة من روحِك

أنا فاكرة مثلاً زمان ، وقت ما كنت بعمل أزرق مع كيسلوفسكي ، شفتيه صح ؟ ، فاكرة مشهد المستشفى في الأول ؟ لما جولي بيموت جوزها وأولادها وبتخسر في ثانية كل حاجة وبتحاول تنتحر ؟ ، لما قريت المشهد أول مرة قلت لكيسلوفسكي إني عايزة أعيَط ، حاسة العاطفة في المشهد بالشكل ده ، أنا وقتها كُنت أصغر من دلوقتي وخبرتي أقل ، مكنتش مرَيت بتجربة فقد كبيرة للدرجة دي ، وبالتالي مكنتش أعرف ، بس هو كان عارف .. وحكالي ، قالي إن كل ما الفقد بتزيد قيمته كل ما هنحس إن مشاعرنا متكتَفة ومش قادرين حتى نعبَر عنها ، اقتنعت إني أمثَل المشهد زي ما هو عايزه ، ولما الفيلم اتعرض .. قابلت مصوَر برازيلي ، قالي إنه عيَط في المشهد ده لما افتكر إنه معيَطش لما ابنه مات وإن اللي كان موجود في المشهد هو بالظبط اللي كان حاسه وقتها وعمره ما عرف يقوله ، لحظتها كنت فخورة بنفسي كممثلة ممكن تنقل مشاعر حتى أصحابها ميعرفوش يتكلموا عنها وكنت حاسه قد إيه مخرج زي كيسلوفسكي كان ليه أثر في ده

Friday, November 19, 2010

رحلة البر

لأن ثقافة السفر ليست جزءاً أصيلا من ثقافتنا، كان من الطبيعي أن يثير مظهري كفتاة مصرية تسافر وحدها على متن عبارة متجهة إلى ميناء العقبة وتحمل معدات تصوير ريبة السلطات الأردنية إلى الحد الذي يدفعها لاحتجاز جواز سفري على العبارة والتحري عني لدى المخابرات المصرية بل وحتى بوليس الآداب! لم تكن السلطات الأردنية تدري أن مخطط هذه الرحلة كان من المفترض أن يسير بشكل مغاير تماما.

بدأ الأمر كله عندما اتصل بي صلاح الرشيدي صديقي المصور الذي تعلمت التصوير على يديه. كان لقاء عادياً حواره لم يخرج عما هو مألوف بيننا إلى أن أشرت بشكل عابر إلى اقتراب موعد اجازتي السنوية. كان صلاح يحتسي قهوته فوضع فنجانه فجأة وقالي لي: "ما تيجي نسافر سوا؟.." نظرت له بدهشة ليس من فكرة السفر معاً بل لان فكرة السفر خارج مصر هذا العام من أساسها لم تكن في ذهني على الإطلاق لاعتبارات مادية بحتة. بعد صمت قصير قلت له " إيه اللي في دماغك؟". أجابني "الأردن.. سوريا.. بر". كان للكلمات الثلاث رنين مميز في أذني زاده الأداء الدرامي الذي قيلت به. شاهدت الكلمات الثلاث وهي تتحول ببطء في ذهني إلى صور وتصورات سرحت معها بعض الوقت إلى أن أعادني صوت صلاح للكرسي الذي كنت أجلس عليه بكلمة واحدة أخرى "ها؟". قلت له "اديني وقت أفكر".

لم يستغرق الأمر مني فترة طويلة لأدرك أن تكاليف رحلة برية كهذه ستكون في حدود إمكانياتي لهذا العام وبالتالي وصل الرد بالإيجاب سريعاً لصلاح الذي طلب مني أن أبلغ أكبر عدد ممكن من الناس حتى تتحول الرحلة إلى حدث جماعي.

ابلغت أصدقائي فلم تلاق فكرة السفر البري – التي تحمل في طياتها مشقة تتعارض مع الرغبة في الاسترخاء- حماساً سوى من بلال صديقي في العمل. لم استغرب قط حماسة بلال ففي سن الثالثة والعشرين لا تسيطر عليك سوى رغبة ثابتة في أن ترى كل شيء وتقوم بكل شيء، وما زاد الأمر إثارة هو أنها كانت ستكون الرحلة الأولى له خارج البلاد.

في الطريق من القاهرة إلى ميناء نويبع المطل على البحر الأحمر أخذت استعيد –بين اليقظة والنوم-شعوري بالإحباط والضيق عندما اتصل بي صلاح قبل يومين من موعد السفر ليبلغني بعدم قدرته على القيام بالرحلة بسبب تأخر إجراءات صدور جواز سفره نتيجة مشاكل قديمة بينه وبين جهاز مباحث أمن الدولة. كان جزء من ضيقي يرجع إلى حقيقة أنه أبلغني بالأمر قبل يومين فقط من الرحلة مما لا يعطي مجالاُ للتراجع أو الإلغاء كما لا يمنح أيضا فرصة لوضع خطة بديلة للسفر فهذه هي أول زيارة لي ولبلال للأردن وسوريا على النقيض من صلاح الذي يعرف البلدين كما يعرف عدساته والذي كنا نعول عليه في الترتيب للأماكن التي سنزورها. بعد ساعات تحول الضيق إلى عند وتحدي دفعاني للاتصال ببلال والترتيب لجلسة محادثة على الانترنت استمرت ثلاث ساعات انتهينا فيها من تحميل خريطة كبيرة للأردن وسوريا وتحديد كل المناطق التي سنزورها خلال الرحلة ثم الاتفاق على لقاء لاستخراج بطاقة عضوية جمعية بيوت الشباب المصرية التي ستتيح لنا الإقامة في بيوت الشباب الدولية في البلدين ثم حجز تذكرتي السوبر جيت المتجه إلى نوبيع. أنظر الآن إلى بلال النائم بجواري في الباص المتجه إلى نويبع وابتسم عندما اتذكر السلاسة التي سارت بها كل هذه الإجراءات التي تمت في أقل من أربع ساعات. كنت سعيدة لسعادته، كان حماسه للرحلة يقترب من المرح الطفولي، ذلك الشعور المنعش بالاستثارة لمعرفة انك ستختبر شيئاً للمرة الأولى، كنت استمد من طاقته شعوراً بالأمان وبأن الرحلة ستسير على ما يرام.

http://www.facebook.com/album.php?aid=295210&id=668962058&l=87ce3ddb81

لم تكن الصدمة الثانية أخف وقعاً من سابقتها بل على النقيض تماماً، فعندما كنا بصدد إنهاء إجراءات جوازات السفر من ميناء نويبع، أبلغنا رئيس قسم الجوازات أن بلال لا يمكنه بأي حال من الأحوال أن يدخل الأردن طالما أن جواز سفره لا يحمل مهنة سوى طالب. الإحباط الذي بدا على وجوهنا نحن الاثنين دفع رئيس الجوازات لأن يعتصر ذهنه ويبحث بين المستندات لإيجاد أي طريقة قد تساعدنا على الدخول لكن بلا طائل. خرجنا من الميناء عائدين إلى قرية رأس الشيطان التي نزلنا بها في الصباح. لم نتبادل أي كلمة طوال طريق العودة ولم نكن بحاجة لذلك. كنا منهكين من رحلة شاقة استغرقت سبع ساعات في حافلة لدرجة لم تسمح لنا أن نعبر عن الغضب والإحباط بالشكل الملائم. لم يكن غضبي من فكرة أن الرحلة ألغيت بل من احساسي بأنني وبلال خُدعنا بشكل ما. السهولة التي أنهينا بها إجراءاتنا كانت مُضللة، كانت واحدة من تلك "الإشارات" الخادعة تماماً بأن كل شيء سيتم كما ينبغي، لتسير الأمور بعد ذلك في اتجاه معاكس تماماً. شعرت بأن الله كان يمارس معي ألعاباً ذهنية أكرهها وعاد لي شعوري بالغضب تجاهه والذي زارني خلال فترات متقطعة هذا لعام لأسباب مختلفة. كانت ليلة سيئة قضيناها في القرية، لم نستطع خلالها النوم طوال الليل بسبب البعوض الشرس الذي تجاوز فئة مصاصي الدماء ليتصدر فئة آكلي لحوم البشر بجدارة. في الصباح وخلف طبقين من البيض "الشكشوكة" ظل بلال يلح علي بأن أسافر اليوم معللاً ذلك بأن الرحلة رحلتي في الأساس وأنه كان وافداً معي وأن بإمكانه تغيير جواز سفره والسفر في أي وقت نظراُ لأنه لا يعمل حالياً في حين أن إجازتي السنوية لن تتكرر مجدداً إلا العام المقبل. كانت تذكرة القارب السريع التي اشتريناها سارية لمدة ستة أشهر فكان بالإمكان استخدامها في أي وقت خلال تلك الفترة. أبلغني أنه سيأتي معي ليعيد تذكرته وأنه سيظل في القرية قبل أن يتجه إلى دهب. قلت له أنني سأحاول أن أنهي رحلتي بأسرع ما يمكن لألحق به، ابتسم وطلب مني ألا أشغل بالي بالأمر وأن أحاول الاستمتاع بقدر الإمكان.

في الميناء يبدو كل شيء مألوفاَ، هذه المرة أتحرك بسرعة وبدون تخبط بما أنني صرت أعرف الطريق جيداً. أتوجه إلى مكتب رئيس الجوازات فيستقبلني بابتسامة عريضة ويبلغني أنه سعيد لأنني قررت السفر، يختم جواز سفري ويتمنى لي رحلة موفقة. أسرع بالعودة إلى الطابور، محاولة كبح أي أفكار عما قد يحدث خلال الرحلة. بعد دقائق يظهر خلفي رجل طويل القامة، يبدو عليه أنه في منتصف الثلاثينات. يقف لحظات ثم يتذكر فجأة أنه يحتاج لتصوير إحدى الأوراق فيتحدث معي بالانجليزية طالباً مني أن أحجز له مكانه، أجيبه بالعربية بألا يقلق. يقف وقد بدت عليه دهشة شديدة. "إنتي مصرية؟" يتساءل بحذر، "أيوة" أجيبه بابتسامة. لم تبد الإجابة مرضية فسألني مرة أخرى إن كنت المرشدة السياحية لطابور الأجانب أمامي أجبته مبتسمة أيضا بالنفي. زاد الرد من فضوله وحيرته فقال لي إنه سيذهب لتصوير الورقة وسيعود في لحظات. التحدي بداخلي لمواجهته لم يمنعني من الانزعاج من فضوله ومن احساسي بأن خصوصيتي ربما تنتهك بشكل ما. بدأت أُعد نفسي لارتداء "الوجه البارد" والتعامل بتحفظ. لكن فضوله كان أقوى من لغة جسدي، فانهالت علي الأسئلة بشأن سفري وحدي وكيف استطعت فعل ذلك. أخذت أجيب باقتضاب محاولة إنهاء الحوار لكنه لم يمنحني أي فرصة وقال لي بحسم "إنتي هتيجي معانا".

نظرت له ببلاهة وقلت له "معاكو فين ومين؟" قال "أنا ووالدتي، هي بس هتدخل من برة علشان هي ست مريضة ومش بتستحمل الوقفة فانت هتطلعي معانا بالعربية لحد العبارة.. أصل اليخت مش هيطلع قبل الساعة تمانية بالليل علشان عليه تفتيش. اه صحيح أنا أسف نسيت أقدم نفسي، كابتن حسام المصري، أنا قائد واحد من اليخوت اللي واقفة برة دي علشان تبقي مطمنة يعني." قل تحفظي بعض الشيء ورددت قائلة "ليليان وجدي"..

على متن العبارة أخذت أضحك بشكل هستيري عندما أبلغني حسام بما فعلته السلطات الأردنية. في الحقيقة لم ألمهم كثيراً فشكلي على متن عبارة تضم عائلات وعمال مصريين فقراء يبدو كالكائن الفضائي. بعد أكثر من ساعتين من التأخير قضيناها في مطعم العبارة، تعرفت على حسام ووالدته بشكل جيد. هو أردني تزوج والده من مصرية. هي امرأة قوية تعرف ما تريد من الدنيا، لا شيء يحد من عزيمتها ولا حتى هشاشة العظام المصابة بها. كانت تتحدث في السياسة وأوضاع البلد بثقة الخبير حتى وإن لم تكن ملمة تماماً بما يحدث. الأحداث بالنسبة لها مجرد تفاصيل لا يكمن فيها سوى الشيطان ولا يعنيها في نهاية الأمر سوى ما تراه بعينها وتلمسه بيديها. كنت استمع لها باهتمام دون تعقيب كثير فهي في الحقيقة ليست بحاجة لأن تسمع أراء ربما لن تضيف لها كثيراً وستدخلها في التفاصيل التي تحرص هي على تجنبها. قبل أن تتحرك العبارة انفصلنا متوجهين كل إلى كابينته. كنت قد قررت استئجار كابينة للنوم بعد أن قضيت الليلة السابقة بلا نوم تقريبا بسبب البعوض. في الطريق إلى الكابينة كنت أحمل عصا افتراضية أضرب بها العيون التي تتفرسني وتفترسني. كنت حريصة على ألا أظهر أي توتر. كانت مشيتي هادئة وقوية وكنت أنظر أمامي لا أصوب عيني تجاه أحد بعينه لا لخوف لكن لعدم رغبة في منح أحد أي إحساس بالاهتمام. واصلت طريقي إلى الكابينة وأنا أحمل حقائبي، دخلت وألقيت كل ما أحمل على الأرض، رفعت البطانية وتقوقعت بداخلها وغرقت في نوم عميق لم أفق منه إلا على صوت طرقات ضابط أردني على الباب يبلغني بأننا وصلنا وبأن علي أن أرافقه لكي استلم جواز سفري. بخطوات ثقيلة زادها البرد كسلاً غسلت وجهي وحملت أغراضي وتوجهت مع الضابط ومجموعة أخرى إلى مكتب رئيس الجوازات لتسلم جواز سفري. كان رئيس الجوازات ودوداً معي كقرينه المصري فبعد أن خلصت التحريات إلى أن لا ملفات لي في المخابرات أو الآداب أو حتى محطة الفضاء الدولية اطمأن قلب السلطات الأردنية على الأمن القومي الأردني ومنحني رئيس الجوازات جواز سفري متمنياً لي رحلة سعيدة. خرجت من مكتب الجوازات لأجد نفسي أمام ساحة واسعة هي منطقة الوصول. بدأت استوعب أخيراً أنني في بلد آخر، ليس لأن الناس مختلفة فكل من حولي مصريون يتحدثون لهجتي لكن لأن ميناء العقبة نفسه يحمل طابعاً أردنياً واضحا، كما أنه أكثر نظافة ورقيا وآدمية من نظيره في نويبع.

في أحد الأركان وجدت كشكاً صغيراً صاحبه -ويا للعجب- مصري أصر على أن يدعوني على كوب من القهوة وكان ودوداً للغاية معي. كنت أبحث عن حسام ووالدته وكنت بحاجة لخط أردني كي أتمكن من الاتصال بهم، نصحني صاحب الكشك بأن اشتري خط شركة "أمنية" التابعة للجيش فهو الأفضل والاقل تكلفة. عملت بنصيحته وبدأت أحاول الاتصال بحسام الذي كان قد وعدني بأن يوصلني إلى بيت شباب العقبة حيث حجزت للمبيت. بعد محاولتين أجابني صوت ناعس على الهاتف يسألني عن مكاني. أبلغته بأنني نزلت من العبارة وبأننا وصلنا منذ نصف ساعة تقريبا. انتابته حالة من الهلع عندما اكتشف أن أحداً لم يوقظه وأنه سيكون أمامه وقت طويل حتى يستعد وينزل بوالدته عن السفينة. أبلغته أن لا داعي للقلق وبأنني سأتصرف. اقترب مني موظف يعمل بالميناء وأخبرني أنه يتابعني منذ نزلت وأنه يملك سيارة أجرة ومستعد للنزول بي في أي مكان أشاء. شكرته بسرعة وعدت للحديث مع صاحب الكشك. لا أدري كم مضى من الوقت لكنني التفت لأجد حسام واقفا خلفي وهو يشكر الرب انني لم أنصرف. استغربت من نجاحه في النزول وإخراج سيارته وانزال والدته بهذه السرعة لكنني كنت أشكر الرب أيضا على التوصيلة الآمنة لبيت الشباب.

في الطريق إلى بيت حسام أخذت استمتع بالجمال الليلي لمدينة العقبة، كانت المرة الأولى التي أرى فيها مدينة ساحلية تطل على البحر الأحمر- لا اعتبر مناطق مثل شرم الشيخ والغردقة ودهب ونويبع بمثابة مدن، هي أقرب للمنتجعات بالنسبة لي في حين أن العقبة مدينة صريحة على صغرها. لكنها لا تشبه أي مدينة ساحلية أعرفها مثل الاسكندرية مثلاً. أعتقد أن الفارق يكمن في اختلاف كيمياء البحر الأحمر عن البحر المتوسط (أفضل الاخير أكثر وأعتقد أنه أكثر جاذبية وحميمية من الأول).

طبعاً كانت الأمور قد استقرت على أنني سأبيت الليل في بيت حسام ووالدته بعد أن اكتشفنا أن بيت شباب العقبة يغلق أبوابه في العاشرة مساء والساعة كانت تجاوزت الثانية صباحاً. كان حسام يحاول أن يحدثني قدر الإمكان عن الأماكن التي أشاهدها كما نبهني لمكتب المعلومات السياحية القريب من بيته والذي سيزودني بالمعلومات التي احتاجها عن البتراء وجهتي التالية وعن كيفية الوصول إليها. بعد دقيقتين كنا قد وصلنا إلى بيته حيث كان في انتظاره زوجة جميلة وودودة، قابلتني بترحيب شديد وفي انتظارنا صينية عظيمة من الفتة مع الحليب الرائب التي أقبلنا كلنا عليها بشهية شديدة شعرنا بعدها بآدميتنا من جديد.

http://www.facebook.com/album.php?aid=299186&id=668962058&l=f3191ca359


على متن سيارة سرفيس متجهة إلى البتراء أشعر لأول مرة في أن في الأردن رائحة من بلدي. كنت قد قررت السفر بهذه المركبة التي لا تكلف سوى دينارين (16 جنيها مصريا) بعد أن علمت أنه لا توجد رحلات سوبر جيت من العقبة إلى البتراء وأن الوسيلة الأخرى البديلة هي استقلال سيارة أجرة ستكلفني نحو عشر دينارات (ثمانون جنيهاً مصرياً) للوصول إلى البتراء. دلني رائد وهو موظف بمكتب المعلومات التابع لوزارة السياحة على موقف السرفيس والذي اتضح أنه لا يبعد سوى عشرة أمتار عن منزل حسام. ابتسم وأنا اتذكر الصدفة، يلح علي شعور أحاول تجاهله بأني محاطة بالرعاية وبأنني بشكل ما لست وحيدة.. أنصرف إلى تأمل الجبال المصطفة على جانبي الطريق، أصور بعضها، أرى في صخورها وجوها بعضها لم أره من قبل والآخر يبدو مألوفا للغاية. استعيد وجه حسام ومها وهما يوصياني بضرورة العودة لزيارتهما مرة أخرى في نهاية الرحلة، اعتبره سببا حيويا لضرورة البقاء على قيد الحياة والانتباه لنفسي خلال الرحلة ..

على ارتفاع ألف واربعمئة متر عن سطح البحر وأمام سلسلة من أشهر جبال الأردن هي جبال الشراة في الساعة السادسة صباحا، أضبط نفسي متلبسة بالفرحة. كنت قد استيقظت بعد نوم عميق في غرفتي ببيت شباب البتراء حيث لم يكن هناك غيري لا في الغرفة ولا في المكان كله. ناديت على يحيى مشرف البيت فلم يجبني، افترضت انه نائم قبل ان انتبه إلى أن سيارته ليست موجودة بالخارج. كان هذا يعني انني وحدي تماماً في نقطة هي أبعد ما يكون عن أي مظهر حضارة، استغربت الفكرة ولم أخش منها، ومع الوقت تحول شعوري إلى إثارة خالصة، هرعت إلى غرفتي لأجلب الكاميرا ومشغل الموسيقى، والآن وأنا أجلس على حافة الجبل الصغير الذي يقف عليه البيت، تنساب موسيقى باخ في أذني، تتجسد أمامي كرمات العنب البافارية، أشاهد نفسي وأنا أجلس على الدكة الخشبية وقت الغروب استمع إلى الموسيقى وأنا أشعر أن ما حولي لي وحدي، اسعد لسعادتي آنذاك وأسعد أكثر لسعادتي في تلك اللحظة، حيث لا قيمة لكل ما يجعلني تعيسة وحيث يجلس الله قريبا جداً مني، يبتسم في وجهي، وحيث يبدو الزمن ساكناً كخط مستقيم لا تعاريج فيه استطيع السير عليه خلفا وأماما كما أشاء، أترك عليه ما أشاء من الصور لأعلم بها طريقي رغم ثقتي بانني من المستحيل أن أتوه وأنا على خط بهذه الاستقامة. انتزع نفسي من خيالاتي، التقط صورة أخيرة لابتسامة الله ثم انهض للاستعداد لوجهتي التالية.

من السهل للغاية أن تنسى هدفك الذي اتيت لأجله وأنت تسير بين الجبال الوردية في مجمع وادي موسى، ستضايقك أصوات المجموعات السياحية في البداية ثم ستنساها مع مرور الوقت، ستقاوم في البداية تأثير الصخور الوردية ذات العروق الخضراء والرمادية لكن ستسلم نفسك لها في نهاية الأمر وستتركها تتوه وحدها متصورا أنك بهذا تكون قد ضللت طريقك دون أن تدري أن استسلامك وضعك بين أيد أمينة ستحملك دون أن تدري إلى حيث تريد الذهاب في نهاية المطاف، المثير في الأمر أن الخزانة أو قصر البتراء لن يظهر لك بكامل بهائه ،ستلمحه فقط من بين الصخور، لكنه سيفاجئك رغم ذلك، فانت كنت قد اعتدت السير بين الممرات الجبلية التي لم تكن تبدو لها نهاية لهذا فعندما سترى الأعمدة الوردية بين الصخور ستُباغت وستقف لحظات مبهوراً لا تصدق أنك وصلت أخيراً بعد عشرة كيلومترات قطعتها سيرا حاملا فوق ظهرك حقائب تحوي معدات ثقيلة.

ستتحرك بخطوات بطيئة راغباً فقط في إطالة لحظات الترقب ما أمكنك، قبل أن يستسلم قصر البتراء لك فيكشف وجهه الجميل، ويقف أمامك في استعراض وزهو سامحاً لك أن تلتقط له صوراً من مختلف الجهات، ستنسى آلام عظمك وستنبطح أرضا محاولاً ضبط الزاوية المثالية، لن تلتفت إلى تعبيرات السائحين الغريبة، ستتجاهل أيضا التكات التي تعني أن بعضهم بدأ يلتقط لك صوراً وأنت في هذا الوضع الغريب وستركز تماماً على الجمال الكائن امامك، تذكرت كم أكره هذه الدرجة من الوردي التي تشبه لون سمك السلمون ولا سيما على المباني السكنية وكم كنت أراها منفرة تنم عن افتقار للذوق الفني السليم واندهشت من انبهاري بها الآن الذي عزوته إلى أن "الطبيعي مفيش أحسن منه". بعد مرور كم من الوقت أجلس في الكافيتريا المواجهة للقصر احتسي بعض القهوة واستعد لرحلة عودة ستكون أكثر مشقة بكثير من سابقتها.

http://www.facebook.com/album.php?aid=296101&id=668962058&l=068536ac61

من السهل وأنت تنظر إلى وجه عودة هلالات سائق التاكسي الذي حملني في جولتي عبر طريق الملوك إلى البحر الميت ومنه إلى عمان، أن تقارن بين مدى اللؤم المحفور على كل خط من خطوط وجهه وبين الطيبة الواضحة على وجهي يحيى وهيثم مشرفا بيت شباب البتراء. فبينما هذا ظل يناور طوال الرحلة كي يحصل مني على المزيد من المال بعد أن اتفقت معه بالفعل على أن أدفع له خمسين دينارا مقابل الرحلة التي سيحملني فيها عبر قلعة الشوبك ومحمية ضانا وغور الصافي والطفيلة والبحر الميت ومادبا وأخيرا عمان، كان يحيى الشاب وهيثم الرجل كريمين معي دون انتظار أي مقابل. فالأول أشفق علي عندما رأى منظري المزري بعدما عدت من رحلة البتراء وقررت اني سأبيت ليلة اضافية لاستحالة الحركة بعد المجهود الشاق، فنزل إلى المدينة بسيارته ليشتري لي وجبة عشاء رفض بشكل قاطع أن يتقاضى ثمنها. والآخر رفض أن يتقاضى مني أجرة الليلة الإضافية معبراً عن إعجابه بجرأتي لاني أسافر وحدي ومتمنيا لي كل التوفيق قائلاً " هادا بيتك، بأي وقت تشرفيه". أذكر نفسي بأن ما سيبقى معي في نهاية الرحلة هي وجوه حسام ومها ويحيى وهيثم وأن وجه عودة سيجد طريقه إلى مزبلة ذاكرتي، وجدت في تلك الفكرة عزاء كافياً فعدت مرة أخرى للاستمتاع بكنوز الطريق.

http://www.facebook.com/album.php?aid=299172&id=668962058&l=bfed29382e

انتبه وأنا في غرفتي ببيت شباب عمان إلى مدى تأثير مياه البحر الميت على جسدي.. كنت قد بدأت الرحلة وعظامي كلها تئن من مسيرة البتراء، وعندما وصلت إلى منتجع عمان السياحي بعد أربع ساعات من السفر لم أكن أريد من الدنيا سوى الموت نوماً، قاومت كسلي بصعوبة ونزلت إلى الشاطيء وخلعت ملابسي التي كنت ارتدي تحتها زي السباحة. نظرت إلى الجثث الطافية فوق سطح المياه وتذكرت ما قرأته عن مياه هذا البحر الشديدة الملوحة والخفيفة للغاية بحيث ترفعك دائما على السطح. أشاهد كتل الملح أمامي على الصخور وأقرر جمعها في أكياس بمجرد خروجي، أضع جسدي ببطء في المياه، مع الحرص على عدم اقتراب وجهي منها، أجلس في المياه فيصرخ عظم جسدي كله من الألم، لا انتبه إلى حقيقة طفوي على السطح من الالم، كان الملح يدك عظامي المنهكة وعضلاتي المتشنجة دكاً، ليجبرها على الاسترخاء، كان هذا بالضبط ما شعرت به وأنا في غرفتي بعمان، كان جسدي مسترخيا تماما على الرغم من الرحلة الشاقة التي انتهت بجولة في العاصمة لم تترك في نفسي أي انطباع. بعد فشل ترتيبات الإقامة في سوريا قررت أنني سأزور دمشق ليوم واحد فقط من الصباح حتى المساء، قلت في نفسي إنها ستكون مغامرة شيقة أحاول خلالها أن أرى أكثر عدد ممكن من معالم المدينة. اطمأن للفكرة وأغلق بها يومي.

وأنت في الطريق من سوق الحميدية إلى الجامع الأموي بدمشق سيتأكد انطباعك الأول بأن عمان مدينة مملة للغاية ، لا يوجد بها ما يستحق الاهتمام كما أن أهلها في غاية السخافة والسماجة، سيتأكد الانطباع لديك لان المدينة التي أنت موجود بها حاليا مختلفة تماما، تشبه القاهرة في الستينات إلى حد ما،تشعرك هذه الفكرة بالألفة رغم أنك في واقع الأمر لا تحب مدينتك كثيراً، أهلها يشبهون أهلك إلى حد كبير مع فارق واضح هو قدر كبير من اللطف والود غير المزيف يفتقر إليه أهل مدينتك. ستنىسى ضيق الوقت لان دمشق تتمهلك، تطلب منك عدم العجلة، تغريك بشوارعها القديمة الضيقة في باب توما، ببوظتها الشهية المصنوعة من القشدة الخالصة، بعصير الرمان الطازج والخالي من أي سكر مضاف قد يموع حلاوته الطبيعية، برائحة البن الطازج من متجر أبو عبده صديقي الذي تبادلنا أنا وهو أرقام الهواتف والذي أصر أن يعد لي بنفسه فنجانا من أفخر أنواع قهوته، بساحاتها العتيقة التي يجلس اليمام فيها يشاهد سائحة مثلي وهي تتجول كالقروي عاجزة عن استيعاب أن ما تراه أمامها حقيقي، بمطاعمها العربية ذات الطابع المنزلي الحميم التي تقدم لك طعاما ستشعر أن أمك السورية هي التي طبخته لك بيدها، بمحلات العطارة في أزقتها التي تحملك الروائح فيها إليها حملا، حيث تحتار في الاختيار بين عشرات الانواع من الزعتر والمتى والمرامية والزهورات التي تشتهر بها سوريا، بمحلاتها الصغيرة لبيع الحلويات الشرقية الاسطورية التي طالما سمعت عنها وتذوقتها مرة مع صديق على عجلة. تشعر بالفخر لانجازك في رؤية أماكن كثيرة في أقل من ثماني ساعات لكن دمشق ليست سعيدة، ما زال عندي الكثير لأقدمه، تقول لك بصوتها الناعم، تضحك بازدراء على شقيقتها الصغرى على الجانب الآخر من الحدود، تتذكر عدم الاكتراث الذي أبداه أصحابك الجدد في العاصمة السورية بمغامرتك الاردنية، لا تلمهم كثيراً فهم لا يحبون كل ما هو أردني، وكيف لهم وهم أهل الخفة والمرح أن يحبوا شعباً يفتقر بوجه عام لروح الدعابة، أن يتماهوا وهم مثال الرقة والنعومة والغنج مع طبيعته الجبلية الخشنة؟ صعب للغاية، حتى وإن كان الأردنيون يذكرونهم – أو بالتحديد يذكرون نساءهم- بكل الود والتقدير. اتفهم ازدراءهم ولا اتفق معه. أودع دمشق عند الغروب وأنا أراضيها بوعد بزيارة خاصة لسوريا وحدها، لن يكون فيها أي استعجال، تتركني على مضض قابضة على وعدي لها بكلتا يديها قبل أن تعاود الانشغال بأحوال أهلها.

لا شعور آخر يصاحبني على متن القارب السريع العائد إلى نويبع سوى الامتنان، أتذكر مغامراتي عبر الحدود الاردنية السورية وكيف ساعدت أنا وفلسطينيان من الخليل سائق التاكسي على تهريب علب سجائر فأضحك رغم السخافة التي تعامل بها السائق معي بعد ذلك ، أتذكر الفتى الأردني الذي كان يركب معي في طريق العودة إلى العقبة وحواراته الخيالية عن الثروة التي ورثها عن والده وعن الفتاة التي خطفها وتزوجها ثم طلقها، فأضحك، اتذكر حسام ومها اللذين استقبلاني مجدداً بنفس الترحاب والعناية التي اختصني بها حسام منذ عودتي وحتى ركوبي للقارب فابتسم، لا مجال لاي منغصات، حتى غرقي في البحر الاحمر بعد ذلك وحتى اكتشافي بأني أضعت بطاقة الذاكرة التي تضم كل صور دمشق لن يفسدا متعة الرحلة علي. ممتنة كنت ولا أزال رغم الإرهاق الشديد، ممتنة لانك ببساطة شديدة، كنت معي.

Tuesday, November 16, 2010

Wednesday, October 20, 2010

كلاكيت

مرة أخرى أحزم حقائبي.. مرة أخرى وبدون مقدمات منطقية، استعد للانطلاق في رحلة- شرقية النكهة، برية الطابع هذه المرة- إلى عالم أراه ويراني للمرة الأولى. لم يختلف شعور الترقب عن سابقه، الاثارة اللذيذة المغلفة بطبقة من التوتر هي الأخرى لم يختلف شكلها. حتى الخيال لم يتعلم كيف يسيطر على نفسه، ما زال يشطح مخترقا حاجز الزمن والصوت ليلتقط صورا مثالية عن الأماكن التي سأصلها بعده بعدة ساعات. مرة أخرى تأتيني المغامرة بعد فترة معاناة مكثفة لتمحو عني أذاها ولترسخ في ذهني أشياء كثيرة ربما اتكلم عنها بالتفصيل في وقت لاحق.
كل شيء يبدو مألوفاً.. كل شيء يبدو خاماً

Wednesday, October 6, 2010

طظين وحتة

احترت كثيراُ فيما اكتب هنا.. كنت أريد الحديث عن العلاقة بين السياسة والإعلام والرأي العام ..لكني وجدت أن الكتابة قد تفضي إلى "تنظير" اكرهه وإلى الحديث عن أناس يحتلون بالفعل مساحة مخيفة من الأهمية لا تحتمل المزيد.. وعن قضايا هي بالفعل أشبه بالفقاعات المحملة بالهواء أكثر مما هي محملة بمضمون.. ووسط محاولات مرهقة لإيجاد شكلٍ مرضِ للتنفيس.. تذكرت فجأة العظيم باستر كيتون.. تذكرت مشهداُ في أحد أفلامه القصيرة يحمل عنوان "Daydreams" وابتسمت.. ليس لان الرجل يملك قدرة ساحرة على رسم ابتسامة على وجهي لم ترتسم قط على وجهه لكن لأن المشهد يعبر ببساطة ودون فذلكة عن كل ما أردت أن أقوله واحترت كثيراُ في كيفية صياغته.. إنها تلك المطاردة التي لا تكل ومحاولات الهروب العبثية التي لا تفضي لشيء سوى لحلقة مفرغة مكتملة الاستدارة ومحكمة الإغلاق.
للمشاهدة إضعط على الرابط التالي


Thursday, September 30, 2010

Body Art

قبل نحو عامين كنت قد كتبت تدوينة عن التصوير، تطرقت فيها بشكلٍ "عابر" و"مجرد" إلى تصوير الجسد العاري. لم تكن السطور القليلة التي كتبتها تشير إلى تجربة شخصية لكنها كانت أقرب إلى تصور "عام" و"مجرد" عما يعنيه الجسد العاري بالنسبة لي وعن كيفية استغلاله في عملية "الالتقاط" كشكل من أشكال محاكاة الطبيعة، في ابتعاد - ربما يكون ساذجاً- مني عن الدلالات الحسية التي ترتبط بذلك الجسد، سواء كان لرجل أو امرأة.
-------------------------------
قبل ثلاثة أشهر تقريبا، خضت أول تجربة لي مع تصوير جسد عار.. الموديل كانت صديقة أجنبية وكانت هي التي طلبت مني تصويرها لأسباب شخصية ولهذا السبب لم أنشر هذه الصور لا هنا ولا في أي مكان آخر. المهم أنني انتهزت الفرصة لأضع تصوري "المجرد" عن تصوير الجسد العاري موضع التنفيذ. كنا في منزلها ولم تكن هناك وحدات إضاءة مناسبة لذا اضطررت للتصرف باستخدام ثلاث أباجورات متواضعة قمت بتوزيعها حول جسدها للحصول على التأثير المناسب. بعد أن عدت لمنزلي أخذت أشاهد الصور.. كنت راضية إلى حد ما عن النتيجة بالنظر إلى الظروف "غير الملائمة" التي كنت أعمل فيها، كنت سعيدة لان الجسد كان "مجردا" ولانه انثناءاته كانت أقرب لتكوين طبيعي لا يشي بأي حسية. كنت راضية وسعيدة للغاية لكن بعد ثلاثة أشهر وتحديدا قبل ساعة، أثبت لي مخرج ياباني مدى سذاجتي.
---------------------------------
قبل ساعة من الآن كنت قد انتهيت من مشاهدة الفيلم الياباني A Woman in the Dunes للمخرج Hiroshi Teshigahara. بدون التطرق إلى تفاصيل قد تفسد مشاهدة الفيلم فان ما فعله تيشيجارا بي خلال المشاهدة - إلى جانب المتعة البصرية الخالصة- هو تلقيني درساً في فن تصوير الجسد العاري، الجسد العاري هنا لم يكن محاكياً للصحراء لكنه كان جزءا منها.. لا يستمد منها "تجريدها" لكنه يمنحها من "حسيته". وكما تداعب الرياح كثبان الرمل.. تبعث الحبات الصغيرة الحياة في الجلد العاري، تحفر شقوقا عميقة في مسامه، تنفذ إلى الروح لتوقظ مشاعر بدائية من سباتها وتصعد بها إلى السطح لأراها رؤى العين، وألمسها بأطراف أصابعي،، وأشاهد تدريجيا تحول كلمة "مجرد" في ذهني















Thursday, September 16, 2010

تجربة

قبل ثلاثة أيام قررت إجراء تجربة غريبة دفعني للقيام بها ولعي بعالم الأحلام وما تطرحه دائما أمامي من رموز متجددة ومعقدة أسعى دوما لفك شفراتها.. المهم قادني ذلك الولع لأن أسعى لزيادة مساحة السيطرة على أحلامي التي بدأت بشكل مطرد خلال الشهور الأخيرة. قررت أن أحمل معي شيئا من عالم الواقع لعالم الحلم لأرى إن كان سيكون له أي تأثير على تغيير معالم الأحلام أو حتى طبيعة رموزها. لسبب ما اخترت مفتاحا، هو مفتاح نحاسي لأحد ضلفات دولابي الخشبي الضخم. شكله مميز كما أنه الوحيد من المفاتيح الثلاثة لدولابي الذي لم يطله الصدأ. بدأت التجربة قبل النوم بالجلوس في سريري والنظر مطولا إلى المفتاح.. وقت النوم لم يحدث شيء غير عادي.. كانت أحلامي بغرابتها المعتادة ولم يكن المفتاح جزءا من الحلم. لكني على غير العادة كنت أتذكر تفاصيل الحلم بشكل واضح منذ بدايته تقريبا أو حسبما أذكر.

قررت إعادة المحاولة الليلة التالية.. أيضا لم يحدث شيء باستثناء أنني رأيت المفتاح في الحلم. لم يكن في يدي أو حتى قريبا كفاية مني.. لكنه كان موجودا.

شجعني هذا على مواصلة المحاولة. وفي الليلة الثالثة، دخلت سريري وأنا امسك بالمفتاح، رفعته إلى أعلى وأنا أنظر إليه.. كنت أكثر تركيزا هذه المرة ومعالم غرفتي لم أعد أراها في الخلفية.. أدرك مع تركيزي أنني بدأت أسقط في النوم وأنني في اللحظة نفسها كنت قد بدأت أسقط فعليا في الحلم الذي بدأ من فوره.. أجد نفسي أسقط وأنا ممسكة بالمفتاح داخل بئر أو داخل كتلة من الظلام اللانهائي.. سرعة سقوطي معتدلة والأهم أنني لست خائفة.. ربما لشعور بأنني لن أرتطم بشيء ما لدى السقوط.. انتبه أن جسدي يعتدل تدريجيا من وضع الاستلقاء إلى وضع الوقوف... السواد اللانهائي لا يزال يحيط بي.. اكتشفت أنني توقفت عن السقوط، لا لأن معالم شيء بدأت تتضح بل لان تيارا هوائيا خفيفا كانت يرتطم بظهري أثناء السقوط..خفت تماما بمجرد اعتدال جسدي. أرتدي قميص نوم أبيض مختلف عما ارتديه في الحقيقة.. شعري قصير في الحلم.. أنظر إلى يدي لأجد المفتاح مازال فيها. أنظر حولي فلا أرى سوى السواد في كل بقعة.. أقف لحظة ثم أقرر أن أسير من حيث أنا إلى الأمام.. انتبه لحظتها انني حافية وأن الأرض تحتي- إن جاز لي أن أسميها كذلك- كان لها ملمس غريب ما بين البلاط والتراب.. أبدأ بالسير وبتزامن مدهش- مع بداية سيري- تبدأ أبواب مختلفة الألوان بالظهور على جانبي الأيمن والأيسر. تبدو الأبواب في حالة طفو وعدم ثبات على النقيض من حركتي أنا. أمشي الآن فيما أدرك أنه ممر، الأبواب تواصل الظهور مع مواصلتي السير. أسمع أصواتا تأتي من خلف الأبواب.. لكنني لا أرى سوى أبواب.. لا شيء خلفها سوى الفراغ الأسود.. أحاول أن أصغي لعلي أتبين شيئاً مما يُقال، لكن الأصوات كثيرة وخافتة وتصدر من كل الأبواب في آن واحد. أدرك بشكل غريزي بعدها أن مفتاحي لن يتمكن من فتح هذه الأبواب وأنني في الحقيقة لست مهتمة كثيراً بما وراءها. أكف عن الاستماع للأصوات وأواصل السير. أدرك بطريقة ما أنني أبحث عن شيء وأنني سأجده أمامي في أي لحظة.. أنظر إلى المفتاح واتساءل عن دوره إن كان لن يساعدني في فتح الأبواب.. تأتيني الإجابة في شكل بابين من خشب محترق ومهتريء يظهران فجأة أمامي لينتهي بهما الممر الافتراضي. منظر البابين مقزز للغاية ومع ذلك فان مقبضيهما نحاسيان يلمعان بنظافة وأناقة لا صلة لها إطلاقاً بشكل البابين. ينتابني فجأة احساس بالقلق. أتحرك لكن بتردد. اقترب من الباب الأيسر. أمد يدي بالمفتاح وادخله بتروٍ.. لا أسمع أي تكة تدل على انفتاح الباب لكني أعرف انه انفتح.. أمد يدي بنفور لأدفع الضلفة الخشبية.. أنظر فأجد أمامي شخصان.. رجل وامرأة.. يجلسان على مائدة خشبية متواجهان. يتاهمسان بخبث فيما يبدو.. يشبهان بعضهما إلى حد كبير.. شعرهما أسود.. جسداهما مغطيان بالكامل بالصراصير.. لا يبدو عليهما الانزعاج من الصراصير ولا يبدو أنهما منتبهان لوجودها أصلا.. لا يبدو علي أنا كذلك الاستغراب من المنظر.. لا أشعر فقط سوى بالاشمئزاز من ادراكي لحقيقة أنهما يدبران أمرا ما.. لشخص ما.. يخفيان سراً تحت أكوام الصراصير. أريد معرفة السر لكنني لا أفعل شيئا حيال ذلك.. اكتفي فقط بمراقبتهما وهما يتبادلان الهمسات والضحك والصراصير تحيط بهما من كل مكان. أقرر انني اكتفيت فاتراجع بظهري وأنا أنظر إليهما بقرف قبل أن أغلق الباب خلفي. أنظر إلى الباب الثاني.. اتساءل إن كان له علاقة بالباب الأول.. مرة أخرى أمد يدي بالمفتاح.. افتح الباب وأدخل لاجد نفسي داخل غرفة.. لها حدود خشبية وأرضية خشبية.. غير مستقرة لكن متماسكة.. بين شقوق الخشب أرى تحتي لأول مرة السماء.. عدم رؤية شيء آخر يجعلني أدرك أننا على ارتفاع شاهق.. أنظر لباقي الغرفة فلا أجد فيها سوى سرير خشبي صغير وكومود فوقه أباجورة تُوَلِدُ إضاءة ضعيفة.. على طرف السرير المقارب للكومود تجلس امرأة.. تنظر إلى الأرض باتجاه الكومود.. يدها اليسرى غير ظاهرة أو أنها ليست موجودة بالمرة.. بينما يدها اليمني منشغلة باللعب بكرة سلة لونها برتقالي حاد. ما تقوم به ليس لعبة للتسلية لكنها تضرب الكرة بكفها على الأرض الخشبية فترتد من الأرض إلى كفها في حركة روتينية وإيقاع ثابت لا يتغير.. صامتة تماما.. وكل ما حولها صمت.. حتى حركة الكرة لا تصدر صوتاً. اتساءل إن كانت تميل برأسها بهذه الطريقة لتتجاهل النظر إلى أحد أم لتصيغ السمع لما يحدث خلف الباب الثاني. يتحول نظري إلى يدها اليمني واتعجب من الدقة المدهشة لحركة يدها وكيف تبدو وكأنها كائن مستقل بذاته، منفصل تماماً عن باقي جسدها. تنتابني رغبة شديدة في أن آخذ الكرة منها علها تنتبه.. لكنني أيضا لا أفعل شيئا حيال ذلك.. أشعر فجأة برغبة في الخروج من الغرفة والابتعاد نهائياً عن هذا المكان.. أجد نفسي فجأة داخل سيارتي أقودها عبر طريق صحراوي مظلم وضيق.. اهديء السرعة عندما اقترب من نهاية الطريق وبداية الشارع الرئيسي الذي ادرك انه شارع الثورة القريب من بيتي.. انتظر عبور السيارات ثم اخرج بالسيارة.. أقود بهدوء على غير العادة في أحلامي.. ارتدي بلوزة كنت املكها وأنا في الخامسة عشر.. شعري أطول وأرفعه على شكل ذيل حصان. اكتشف أنني متوجهة بسيارتي إلى محل صغير أخبرتني أمي عنه لاني أريد استبدال جهاز هاتفي المحمول. اتوقف بسيارتي امام المتجر. أصعد ثلاث درجات وأفتح الباب فأجد أمامي سيدة عجوز. أخبرها باني أريد استبدال جهازي -بشريحته وذاكرته- بجهاز آخر جديد تماما. أطلب منها اسم موديل معين لا اتذكره الآن ولا اعتقد أنني سمعت به في الحقيقة. تخبرني أن لديها ما أريد. تمد يدها فوق أحد الرفوف فتمسك بجراب لونه بيج.. تعطيني إياه.. افتحه لأجد بداخله جهاز هاتف محمول لونه أسود جديد تماما.. أعيد لها الجراب وأقول لها إنني لا أفضل اللون الأسود.. اسألها إن كان لديها نفس الموديل لكن باللون البني.. تخبرني بأسف أن اللون البني قد نفد وأن الموجود حالياً هو البنفسجي. تبدو علي خيبة الأمل لكنها تخبرني أن البني والبنفسجي هما في الحقيقة لون واحد فكلاهما مكون من الأحمر والأسود وأن البني يتكون بزيادة درجة اللون الأسود بينما يتكون البنفسجي بزيادة درجة اللون الأحمر في الخلط. استغرب عدم معرفتي بهذه المعلومة في الحلم رغم معرفتي لها في الواقع. أدرك لحظتها أنني أحلم.. أبدأ بالتحفز استعداداً للعقاب الذي سينزله بي عقلي الباطن لينهاني عن هذا الإدراك كما فعل في أحلام سابقة.. أشعر بيد خشنة توضع على كتفي الأيسر.. التفت لأجد رجلا.. تربطني به علاقة وثيقة بالواقع.. كان يرتدي نفس الملابس التي رأيته بها آخر مرة ونظارته الشمسية على عينه وصلعته المميزة وابتسامته الواثقة. قربني بعض الشيء منه ليهمس في أذني كيلا تسمع المرأة.. إنتي عارفة ان البنفسجي هو لون الحقيقة؟ أجيبه.. عارفة.. ما احنا اتكلمنا في ده قبل كدة.. يسألني مرة أخرى.. وعارفة ان البنفسجي هو لونك المفضل؟ أجيبه.. أيوة ما أنا قلتلك ده من شهر كدة.. تختفي ابتسامته فجأة ويزيد من ضغط يده على كتفي ويسألني مرة أخرى.. طب اخترتي البني ليه؟ اسكت تماما.. أنظر له بحيرة شديدة.. أريد أن أجيب لكنني لا أقدر.. يتصاعد بداخلي شعور بالفزع.. لا ينقذني منه سوى الاستيقاظ.

Monday, July 5, 2010

اختيار

إذا لم تكن تنوي أن تموت لتريح الناس من خرائك ..فعلى الأقل تعلم أن تكون ناضجا بما فيه الكفاية لتحمل مسؤولية قذاراتك

Wednesday, June 2, 2010

بلين.. بلين


بخطوات هادئة واثقة.. تسير نحو وسط حلبة السيرك.. بقعة إضاءة تتابعها في حركاتها. زيها الأخضر الفضفاض وشعرها الاحمر يتناقضان مع هدوءها الظاهري. تتوقف في منتصف حلبة السيرك تماما. تنظر حولها للحظات بابتسامة واثقة... تخرج منديلها الأزرق وتلوح به في الهواء قبل أن تنحني وتستعد لتقديم فقرتها
----------------------------------------------------------------------------------------------------------
تجلس في غرفة ملابس مظلمة إلا من إضاة خافتة تصدر عن أباجورة متواضعة تقبع مهملة قرب المرأة.. ببطء تضع سيجارة بين شفتيها المرسومتين بلون أحمر داكن.. تشعل السيجارة ونظرها لا يفارق انعاكسها في المرآة.تلتقط نفسا عميقا ثم تنفثه في وجه الانعكاس.. تضع يدها على خدها الايسر تتحسس ملمس بشرتها تحت أكوام دهان الوجه الابيض. تنتظر إلى أن ينقعش الدخان ثم تطفأ السيجارة دون أن تكملها.. تمد يدها إلى علبة مناديل رطبة.. تمرر المنديل على عينها اليسري لتمسح الخطوط المرسومة بالكحل..
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
تخرج من جيبها الأيسر زجاجة صغيرة مثل زجاجات العطور المقلدة... تحوي حفنة رمل.. ترفعها بثقة استعراضية وتدور بها حول حلبة السيرك.. تسقط بقعة إضاءة أخرى منتصف حلبة السيرك على دمية ترتدي شعرا مستعارا مبهرجا ألوانه الأزرق والأحمر والأصفر تجلس على كرسي وقد وضعت رجلا بلاستيكيية فوق الأخرى ومدت يدها اليسرى البلاستيكية إلى الأمام بكف مفتوح.. تكمل دورتها حول حلبة السيرك قبل أن تتجه إلى منتصف الحلبة وتصبح بقعة إضاءتها مواجهة لبقعة إضاءة الدمية.. تقف أمام الدمية لحظة.. قبل أن تنحني..
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
تنتهي من إزالة رسم الكحل من على عينيها.. تفر دمعة من عينها اليمني.. تسارع لمسحها قبل أن تفسد الدهان الأبيض ناسية أنها ستزيله عن وجهها بعد لحظات.. تجفف عينها بحرص.. تنظر لنفسها للحظات.. تبدأ محاولات عابثة لرسم ابتسامة.. تتعثر.. تحاول مرة أخرى.. إلى أن تحصل على ابتسامة واسعة تملأ وجهها..
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
تتجه بخطوات بطئية نحو الدمية.. تفتح الزجاجة المسدودة بفيلينة صغيرة.. ترمي الفيلينة باستهتار خلف ظهرها.. تقف أمام الدمية وتبدأ بسكب الرمل ببطء شديد في كف الدمية المفتوح. صمت تام لا يسمع خلاله سوى أزيز الرمال وهي تنهمر صانعة خطا رفيعا من الحبات المغلوب على أمرها.. تحرص على ألا تقع حبة خارج كف الدمية.. تراقب حتى ترى آخر حبة وهي تسقط في الكف.. ترفع الزجاجة وتنظر لها قبل ان تلقيها خلف ظهرها..تتراجع خطوتين للوراء..
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
تزيل آخر بقعة دهان من على خدها الأيمن.. ترفع يدها لتنزع المشبك الذي تربط به شعرها الأشقر.. ينسدل شعرها الطويل نسبيا على كتفيها.. تتأمل نفسها في رضا ثم تنهض متجهة إلى الشماعة.. تتناول معطفها وحقيبتها الأسودين.. ترتدي المعظف وتلقي نظرة أخيرة على المرآة قبل ان تفتح الباب لتخرج..
-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------
تقف صامتة لوهلة قبل أن ترفع قدمها اليمنى بحركة سريعة لتركل كف الدمية فتتطاير حبات الرمل في الهواء.. تتابع كل حبة ببصرها وهي تحلق في الهواء قبل أن تهوي ساقطة على الأرض.. تقفز في مرح طفولي شديد منتشية بخدعتها.. تنظر بفخر للأمام.. تنحني في ثقة.. ترفع رأسها وعلى وجهها ابتسامة عريضة.. تخفت بسرعة عندما تدرك.. ان لا أحد هناك..
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
تسير بخطوات وئيدة في ممر ضيق تتراص على جانبه الغرف.. تشكل الجدران البيضاء الشاحبة تناقضا صارخا مع أسودها.. حقيبتها معطفها.. تنورتها.. حذاؤها.. تواصل السير حتى ينتهي الممر بمنعطف يمين..
------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
يبدو عليها الوجوم عندما تدرك وحدتها.. تجول ببصرها يمينا ويسارا.. تنظر أخيرا إلى الدمية وتنحني.. تتجه بخطوات ثقيلة إلى الخارج.. تقف لحظة ثم تدير رأسها ناحية الحلبة.. تراقب الدمية الجالسة باسترخاء على كرسيها غير عائبة بحركة من عدمها.. تضم ياقتي معطفها الاسود قبل ان تفتح باب السيرك.. وتخرج..

Wednesday, May 19, 2010

بلادة


على الأرجح سيظلان هكذا
ظلان باهتان
تنعكس ذكرياتهما على صفحة عكرة
وعندما يستبد الاشتياق
سيتركان لتموجات المياه
أمر تلامس أغصانهما

Saturday, May 1, 2010

دع عنك


لا تحاول أن تشرح لهم
فانا توقفت عن ذلك من زمن
لن يفهموا
وكيف لهم؟
إن كنا أنفسنا .. لا نفهم

Friday, April 16, 2010

إين فوكس



أحب في الورد كبرياءه.. فهولا يثير ضجة.. عندما تذوي أوراقه في صمت



أحب في العيون استقلالها.. عن سطوة اللسان وقدرته على حياكة الخداع



أحب في الخطوط عشوائيتها.. لانها تبقي الطريق مفتوحا.. والفرص قائمة

Friday, April 9, 2010

فشل التمام في عالم ناقص


اه لو أمكن شطر كل ما هو كامل، فيخرج كل إنسان ويتخلص من كماله البليد الجاهل.. كنت كاملاً وكانت الأشياء جمعيها بالنسبة لي طبيعية ومختلطة وتافهة مثل الهواء. كنت أعتقد أني أرى الكل فلم أكن أرى سوى القشرة. لو صرت نصف نفسك، فستفهم أشياء تفوق الذكاء العادي للعقول الكاملة. ستفقد نصفك ونصف العالم. لكن النصف الباقي سيكون أعمق وأكثر قيمة ألف مرة. وسترغب أنت أيضا في أن يكون كل شيء مشطوراً وممزقاً على صورتك ، لأن الجمال والحكمة والعدل موجودة فقط فيما هو مشطور
-------------------------------------------
من رواية "الفيسكونت المشطور" لإيتالو كالفينو

Monday, April 5, 2010

مراوغة

سيحاول بشتى الطرق أن يتجنب رؤيتي وعندما أواجهه بغضب سيخبرني بحكمته التي صاغها بعد سنوات من المجهود الذهني أنه لا يريد تلويث الصورة التي رسمها لي في خياله وأن من الأفضل الجري وراء المتعة بدلا من الهروب من الألم

Sunday, April 4, 2010

على الخط الفاصل

للشعرة وظائف كثيرة

فهي تفصل بين الحب والتواطؤ

وبين الانهماك والتشويش

بين الاحتياج والاستغلال

وبين الحدس والتمني

بين الحكمة وتراكم الخبرات

وبين التبرير وخداع الذات

*********

للشعرة وظائف كثيرة

لذا فهي لا تنقطع

المشكلة تكمن في أننا

لا نراها

في معظم الأحيان

***************

مقطع الفيديو لأغنية Who's got the pain أداء بوب فوسي وجوين فيردون من فيلم (Damn Yankees (1955

http://www.youtube.com/watch?v=BIiZuAVZH4w

Saturday, March 20, 2010

ألم


دائما يحُل مارس
محملاً بالأوجاع
ويرحل تاركاً خلفه
بعضَ الندوبِ
وثقباً أسود في الروح

Tuesday, March 16, 2010

هو كدة

للأسف ..
لا يترك الموت انطباعا..
فالناس كما هم..
سيظل وجودهم مسلم به
لأن للنسيان
حسابات أخرى
لا علاقة لها
بنوايانا الحسنة




Friday, January 8, 2010

أمنية


عندما تحين لحظتي ... فلا أرغب سوى أن يدفن جسدي بين كرمات العنب في بافاريا.. هكذا عندما أبعث من جديد.. سأعود إلى الحياة في شكل زجاجة من النبيذ الأحمر الصافي..