استيقظت -في اليوم الأخير قبل أن أودع العشرينات- على صداع حاد والتهاب شرس في الجيوب الانفية.... لم أقض الليلة الماضية في أرق أفكر في العقد الثالث المقبل بل أمضيتها مع بعض الرفقة على العالم الافتراضي نلعب لعبة نحاول من خلالها "تمصير" عناونين الأفلام الأجنبية.. لم أندهش لعدم اكتراثي أو لنقل عدم تفكيري.. واندهشت لعدم اندهاشي
------------------------------------------------------
في اليوم الاخير من العشرينات هطل المطر بقوة وغزارة وأغرق شوارع القاهرة مصحوبا بدوي برق مرعب ثم وفي لمح البصر، انقشعت السحب وتسلل من خلالها نور ذهبي للشمس لم أر في مثل جماله .. لم أتعجب لتقلب الجو.. وتعجبت من روعة المشهد الكائن أمامي..
--------------------------------------------------------------
في اليوم الأخير من العشرينات، سقط نظام طاغ ظل يجثم على أنفاس بلد أخضر صغير يطل على البحر المتوسط طوال ثلاثة وعشرين عاماً. تروادني فكرة طفولية بأن "وشي حلو عليهم" تتبعها أخرى مؤنبة في شاكلة "اللي يعوزه البيت يحرم على الجامع يا حلوة" ... اضحك على نفسي بينما تذكرني اللقطات التلفزيونية بأن الثورات لا تقوم على حس "الوش الحلو" ولا لأجل خاطر دور العبادة.
في اليوم الأخير من العشرينات... أنزل من عملي لأفاجأ بأن أحد إطارات سياراتي "نايم" تماماً. كنت قد نزلت مع زميل لي بعد تأخري ساعة عن ميعاد انصرافي..توجهت معه إلى اقرب محل للإطارات حيث قمنا بإصلاح الإطار. تركت السائس يقوم بمهمة تركيب الإطار بينما أسرعت للزمالك للحاق بميعاد تأخرت عنه ساعة ونصف الساعة. وأنا أقف امام مدخل العمل ألمح زملاء آخرين يستعدون لركوب سيارة أجرة.. أفاجأ بأنهم متجهون إلى المكان ذاته الذي أقصده.. أتعجب لتصاريف القدر ثم انشغل بالتقاط الصور للحظة الغروب.
في اليوم الاخير من العشرينات.. أدرك كم تغيرت وكم ظللت كما أنا.. عشرات التجارب والخبرات لم تضف شيئا قدر ما حفرت بداخلي طرقاً، سرت فيها حتى رأيت مني ما لم أكن أعرفه.. لم أصبح أكثر حكمة.. لكني اكتشفت أن لدي مخزونا وافراً من الصبر صرت استعين به لا للتغلب على مشاعر احباط كانت تأكلني أكلاً في السابق عندما لا تسير الأمور كما أريد بل لأجلس في هدوء في انتظار اللحظة المناسبة للقطف ..
في اليوم الأخير من العشرينات ..لم أصبح أكثر استبصاراً لكن بت أكثر إيماناً بان حدسي يدرك جيدا ً ما يفعله.. يفهم تدابير القدر أكثر من شكوكي وحيرتي وعدم يقيني.. ويتحرك معها بتناغم مذهل .. أسلمه قدراً أكبر من الثقة.. لكنني أترك للشك وعدم اليقين فسحة.. فهما على الأقل ما يربطاني بعشرينات سأرحل عنها بعد ساعات...
في اليوم الاخير من العشرينات.. ألقي نظرة سريعة على فتاتها.. لا تتذكر من عشريناتها سوى أعوامها الثلاثة الأخيرة التي كثفت بهجة سبع سنوات وآلامها ورمتها بين يديها.. لم ترفع يديها لتلتقف وفضلت بدلا من ذلك أن تأخذ البهجة والآلم على صدرها.. ليست نادمة.. ليست أقل حزنا.. ليست أقل فرحا.. فقط أقل انفعالاً .. ربما أكثر نضجاً لكنها بحاجة لاختبار ذلك عملياً.. في آخر أيام عشريناتها.. يسيطر عليها هدوء "مٌخدر" مصحوب بامتنان لأشياء كثيرة أهمها أن ابتسامتها لم تتغير كثيرا.