تحمل حقيبة سفر وحيدة وتشد الرحال... فلا تعرف بالضبط ما سينتظرك في الأرض الغريبة... تطوي في حقيبتك بعض الثياب والكثير من الترقب... تتسلل التوقعات التي تحاول أن تكبح جماحها فلا تملك سوى أن ترسم في ذهنك صورا لكل ركن ستطأه قبل حتى أن تصعد الطائرة... تخشى للحظة من الإفراط في الجموح وما قد يتبعه من خيبة آمل نتيجة شحوب الواقع أمام خصوبة الخيال... ثم تقرر أن تترك لنفسك العنان فعلى أسوأ الأحوال... سترى شيئا جديدا.
--------------------------------------------------------
* لبرلين مذاق ورائحة النعناع المنعش. لا يوجد ركن بلا أشجار... للشجر هناك شخصيات مختلفة. فهذه أوراقها حمراء تنبض بالحيوية وهذه ذات ورق أصفر يعكس ضوء شمس ليس موجودا بالفعل... وأخرى عجوز أوراقها بنية منهكة... لا تشبه شجرة الأخرى ولا يشبه طريقا الآخر...
* تركب المترو فتفاجيء بالعيون تنظر إليك. ليس فضولا بل ترحيبا... الابتسامات الواسعة تقابلك في كل ركن تقع عيناك عليه... تستعيد في ذاكرتك كل العبارات والجمل التي رددوها عليك قبل السفر عن مدى جمود هذا الشعب... تنظر في الوجوة الطيبة حولك وتدرك إلى حد تبدو هذه العبارات جوفاء وقاصرة...
* تسير وحدك في الشوارع متجها صوب واحد من عشرات المعالم الأثرية فتجد في طريقك غابة منسية... شيء ما في صمتها يدفعك لاختراقها... تسير لمسافة طويلة بين الأشجار الطويلة قبل أن ينتهي بك المطاف أمام بحيرة تسبح فيها ثلاث بطات وبجعتان ويحرسها تمثال لطفل صغير... تجلس على حافة البحيرة تحاول أن تتأمل تعابيرالتمثال... يبدأ عقلك في نسج القصص عن الطفل... كيف وصل إلى هنا... هل يحرس طيور البحيرة... هل تحرسه... تجلس لساعات وفي النهاية تنهض وتلقي في البحيرة بقطعة نقدية ... والكثير من الذكريات
* على سفح تلة صغيرة بقرية سومراخ في إقليم بافاريا تكون رائحة العنب أقوى ما يكون... أمواج وسهول من كرمات العنب تحيط بالقرية الصغيرة وقرى أخرى وتمدها بسائل الحياة... تقف أسفل التلة قرب تمثال سان فالانتين تستمع للسيمفونية التي تعزفها أوراق العنب عندما يداعبها الهواء قبل أن تقرر الصعود إلى أعلى التلة حيث تمثال سان أوربان لتجلس على الدكة الخشبية المتهالكة قربه بانتظار الغروب... تدرك في لحظة ما أن كل ما كان يجعلك تعيسا لا قيمة له في عالم ... ليس من هذا العالم...
* في بافاريا يحفر النبيذ خطوطا مميزة على لسانك فتصبح قادرا على التمييز بين عشرات الانواع المختلفة من الثمر الأبيض والاحمر... مثلما يحفر النقاشون الرسوم على براميل النبيذ العتيقة التي ستراها وأنت تتجول في الأقبية... الحفر ليس معرفة فحسب... بل هو الضمان الوحيد بانك أبدا لن تنسى...
* أربعة عشر ساعة هي مسافة الرحلة بالقطار من برلين إلى باريس... تخفت حدة المشقة عندما تدرك انك تتقاسمها مع رفقة طيبة بعضهم اتى مثلك من عوالم غريبة بل ويتحدث لغتك أيضا...
* في البداية ستبدو باريس لزجة وصعبة المضع مثل قطعة الكراميل... ستستاء من فوضاها وسيستعيد ذهنك صورة شقيقتها الالمانية الاكثر رحابة ونظافة لكنك ستقاوم شعور النفور وستنزل من شقتك لتستقل الحافلة وتتوجه إلى برج إيفل في التاسعة مساء فتصعد وتبدأ قطعة الكراميل في الذوبان في فمك فتستطعم للمرة الأولى حلاوتها وتدرك لما اطلق الناس على باريس اسم مدينة النور.
4 comments:
لا يمكنني التعبير عن روعة كتابتك واحساسك الجميل
وصف رائع رائع رائع
شكرا فقد اسعدت صباحي
ميرا
ميرا
اشكرك
صباحك سعيد دائما
مفيش امل انى اخرج من البلد دى ابدا .. علشان كده باستعذب قراءة كلمات اومشاهدة صور من استطاعوا مغادرة هذا القمقم اللعين..
عاوزين صور تانى .. انا عارف ان لسه فيه صور كتييير .. لاندسكيبس ووجوه وكل حاجة صورتيها
U3m
طبعا فيه صور كتييييييير
أكتر من الفين صورة
دي برضه عينات منها
http://www.facebook.com/profile.php?id=668962058&ref=name
وبعدين مين قال انك مش هتخرج؟
متستعجلش على رزقك
;))
Post a Comment