Wednesday, September 19, 2007

الحياة بين ضفتي دينين 2


صعد درجات السلم بحذر شديد.. كانت الأرض زلقة لكنه لم يكن يخشى على نفسه بقدر ما كان يخشى على الطفلة التي بين ذراعيه.. تأكد مرة أخرى من أنها مدثرة بإحكام فقد كان البرد قارصا..كانت ضربات قلبه تسابقه.. ترى هل من الحكمة القيام بذلك؟ ماذا سيكون رد فعلهم؟ هل كان بنبغي أن يخبرها أولا.. آلاف الافكار تتصارع في رأسه.. لكن قدميه لم تكونا على القدر ذاته من التردد.. كانتا تصعدان به بما يشبه القصور الذاتي إلى حيث منزل أسرتها.. للمرة الأولى منذ تقدم لخطبتها ورفض سيذهب للقياهما.. سيخبرهما بأنهما صارا جدا وجدة.. وأن حفيدتهما التي تنعم بالدفء الآن بين ذراعيه اتمت الشهر السادس من عمرها.. هاهو الباب.. إنه يقترب .. لا مجال للتراجع الآن.. خطوتان تفصله عن جرس الباب.. يمسك بي بقوة بيد ثم يمد يده الأخرى يضغط جرس الباب.. مرت اللحظات وكأنها دهر أو ربما بسرعة البرق... لا يذكر.. المهم أن الباب فجأة انفتح على وجه جدتي المصدوم.. كانت قصيرة القامة لذا كان أول ما وقع عليه نظرها هو أنا...ظلت تحملق لثواني ثم

تيتة: بنتها؟

هو: أيوة

لحظة صمت أخرى غير مريحة ثم بدأت تفسح له الطريق... خطا إلى الداخل متوقعا أن يجد جدي في الردهة لكنه لم يكن.. لا يعلم لماذا تنفس الصعداء.. ربما كان يريد تأجيل لحظة المواجهة لأطول فترة ممكنة .. لكن راحته لم تكتمل.. فقد انزاح الستار الذي يفصل بين الردهة والرواق ليكشف عن هذا العملاق العريض المنكبين .. في البداية نظر له ولم يتعرف عليه .. ثم التمعت عيناه عندما أدرك من هو.. ما هذا الالم .. إلهي لا تدعني أسقط الآن.. ليس أمامه.. تمالك نفسك .. الآن توجه بهدوء وصافحه.. التقط أبي اليد الممدودة بحذر .. لم يضع عيناه في الأرض بل ثبتها في وجه الناظر إليه.. لحظة صمت أخرى غير مريحة.. ثم انتبه جدي إلى الكائن الصغير داخل اللحاف الوردي..


هو (لي في زمن آخر) : النظرة اللي كانت في عينيه ساعتها كانت غريبة.. كان فرحان وزعلان.. دموع وابتسامة.. كان فعلا في حالة مش طبيعية أول ما شافك

مد يده ولمس حواف اللحاف ثم بدأ يسحبني برفق إلى أن انتهيت بين ذراعيه.. ظل ينظر لي لحظات ثم طبع قبلة على جبيني

-----------------------------------------------------------


بعد ذلك اليوم المشهود بعام توفي جدي .. جدتي بدأت تتقبل الأمر الواقع شيئا فشيئا.. إلى أن تعلمت كيف تحبه..فلم يعد يهمها إلى أي دين ينتمي.. حتى شقيقات أمي .. سلمن بأن ما حدث حدث بل إن إحداهن عندما عادت إلى مصر بعد غياب طويل وزارتنا أقرت بأنها لم تشعربالحب إلا في بيتنا.. الشخص الوحيد الذي فشل في تقبل هذا الواقع كان الخال.. ولا أدري إن كانت مفارقة مقصودة أن يكون هذا الشخص تعيسا للغاية في حياته الزوجية.. لا يهم

--------------------------------------------------------------------------


كل ذلك لا يعني أن حياتهما كانت سهلة فالطريق حتما لم يكن ممهدا .. بل على العكس كان مليئا بالمنحنيات الوعرة..فمن صعوبات مادية ومشاكل في العمل.. إلى أعباء تربية ثلاثة أطفال ..وغيرها من المشاكل الكفيلة بقصم ظهر أي أسرة عادية.. لكننا لم نكن يوما أسرة عادية ولا هما كانا يوما شخصين عاديين..

----------------------------------------------------------------------


لم يكن الدين أبدا عائقا أو مشكلة.. أمي كانت تحضر شيخا لي وأنا في السادسة من عمري ليعلمني الخط وحفظ القرآن.. تحرص دوما على أن تشجعنا في دراسة الدين.. وعلى أن تصوم معنا على الاقل أول أسبوع في رمضان.. بل إني عندما طلبت منها أن أقرأ الانجيل وأنا في السابعة عشرة من عمري رفضت وقالت لي "لما تبقي تعرفي دينك كويس إبقي إقري في دين تاني"


----------------------------------------------------------------

بالنسبة لنا أو بالنسبة لي على الأقل كانت مسيحيتها جزء من تميزها فهي ليست من أولئك الذين يدعون التدين.. بل هي مؤمنة حقة .. تؤمن

بإلهها وتحبه حقا لا إدعاء أو خوفا..

وبعيدا عن كل ذلك .. فهي في نظرنا نحن الثلاثة .. ماما بكل روعتها وبهائها ..


-------------------------------------------


بالنسبة لنا كان دائما صديقا .. بقدرته الخارقة على النفاذ إلى النفوس، كان قادرا على قراءتنا بسهولة.. وبالتالي كان يعرف المدخل إلى كل واحد منا .. اكتشف بسهولة حب أخي للصيد فكان يصطحبه معه في جولات أسبوعية... مفتاح اختي كان في تدليلها بالقدر الكافي دون إفسادها بحكم كونها آخر العنقود.. أما مفتاحي أنا فكان الاكثر سهولة والاكثر صعوبة أيضا .. فانا أشبهه إلى حد بعيد.. أفكر بشكل مشابه لكني مثله أيضا متمردة.. ومثله أيضا شرسة الطباع.. لذا لم يكن ترويضي واكتساب صداقتي مهمة سهلة..

ربما أحكي عن ذلك في تدوينة أخرى لكن للآن هذا يكفي

19 comments:

horas said...

لا اعلم بالتحديد
لماذا ذُرفت دمعاتى رغما عنى وانا اكمل التاريخ الرائع لتلك العائلة الاستثنائية
ياللصدق
ياللحب
اللللللللللللللللله
ما اجملها من ام
وما اجمله من اب
كم اشعر الان
اننى احب الله

الطائر الحزين said...

ما فرطنا فى الكتاب من شىء

ان الامر مادام فى الطريق الذى رسمة الله فهو كفيل سبحانه بأن يحافظ علية

وما دام العدل متوفر بينكم فالله يتكفل بالاعانة

وما كان الله مهلك القرى بظلم واهلها مصلحون

يعنى ما دام العدل قائم بينهم لا يهلكهم الله لمجرد أنهم بلا دين

اللهم انر الطريق الى والدتك
ويبارك لك فيها
ويبارك لك فى اسرتك

جزاك الله خيرا
كل عام انتم الى الله اقرب وعلى طاعته ادوم

الأميره أوسه said...

Extraordinary story
قريت مدونتك رائعه
وطريقة السرد ممتازه
أنا عارفه أنها مش مجرد قصه دى حياه كامله عشتيها ومازلتى تعيشينها
فى أنتظار كتاباتك
وربنا يمنع عنكم الحسد
نمسك الخشب
رمضان كريم
سمو الكونتيسه

Unknown said...

تصدقينى لو قلتلك انى حاسة ان الحفيدة دى انتى ؟ مش عارفة ليه ؟
طريقتم فى السرد مبدعة اوى جنابك
تعالى عندى ضرورى فى عزومة بحق و حقيقى مستنية تشريف سموك

Anonymous said...

ما أجمل أن نختار ديننا وقناعاتنا دون أم تفرض من أحد ...
عائلتك صغيرة ومتنوعه وجميله مثل
كلماتك تماما
أجمل ما في أباك أنه لم يجبر أمك على شيء وأجمل ما فيها أنها لا تجبركم هي الأخرى على شيء
تحياتي

Ahmad Hegab said...

أول مدونة أرجعلها فى زمن قصير علشان أشوف البوست الجديد

فعلا تجربه جباره و أحسد والدك على جراته لكنه اثبت انه استحق قلب أمك


تحياتى لكم جميعا

hazem shalaby said...

اولاًً وقبل اى شئ .. عوداً حميداً بعد طول غياب .. كنت أمر بصورة يومية بحثاً عن الجديد وعن تكملة القصة الرائعة لتلك الاسرة الرائعة حتى جاءت العودة التى اسعدتنى وتكملة الحكاية التى امتعتنا .. دامت سعادتكم و حفظكم الله بمحبته لتكونوا نموذجاً للاخرين يتعلموا منه الحب - حب الله وحب البشر - كل عام وانتم جميعاً بالف خير ولكِ كل التحية والشكر والاحترام

نورسين said...

ايتها الكونتيسة الحافية كان الطريق اليك طويلا مرورا بحازم شلبي وبآخرين حتى كان المستقر عند مدونتك الغاية في الراحة،، حقا ارتحت لديك ولدى ولدك القوي الحنون ولوالدتك التي اكيدة انها تستحق ........ هنيئا لك بهما وبورك لها في روحك الطيبة واسمحي لي بمنتهى الود ان انتظر منك التدوينة الجديدة عن شبية ذلك العظيم .... انتي ايتها الكونتيسة التي تستحق حذاء الماس

كل احترامي لقلمك العذب ولك سيدتي

نورسين said...

اين أنتي ؟؟
لعل مانعك عنا خير؟؟؟
أقبلي ولا تغيبي

الكونتيسة الحافية said...

حورس
بوركت دمعاتك وبوركت أنت
ما أجمل المحبة حين تتخطى
كل الحواجز الافتراضية لتنبض
صادقة بين السطور

دمت يا صديقي العزيز

الكونتيسة الحافية said...

الأميرة أوسة

الله أكرم يا سمو الأميرة

شكرا على زيارتك وتعليقك الرقيق

الكونتيسة الحافية said...

العزيزة عاليا
الحفيدة هي أنا بالفعل صديقتي ..

حاولت أكلمك علشان موضوع العزومة ده كان نفسي فعلا أبقى معاكوا بس للاسف المشاغل أكثر مما تحتمل

استمتعوا بهذه اللمة الجميلة وعايزاكي تيجي هنا تحكيلي عنها

الكونتيسة الحافية said...

العزيزة جدا إلهام

طبيعي جدا أن يفهم شخص حساس مثلك ما أريد قوله..

حافظي دوما على تنوعك
وعلى طفليك الجميلين

تحياتي

الكونتيسة الحافية said...

عزيزي حازم

أشكر لك حرصك على المتابعة ولا أملك سوى أن أقول لك أنه لو كان في العالم أناس كثيرون مثلك .. لاختلف حالنا أيما اختلاف

دمت بخير في غربتك

الكونتيسة الحافية said...

عزيزتي نورسين
سعدت لانك وجدت الطريق إلى لان هذا أتاح لي الوصول إليك أيضا والتعرف على مدونتك الجميلة..

الحذاء الماسي أناقة وبهاء لكن الاستغناء عن الحذاء في بعض الاحيان
يكون نعمة

تحياتي عزيزتي

Unknown said...

كويس يعنى احساسى طلع فى محله طب حاحكيلك ع العزومة فوق

Egyptiana Trapped Soul said...

قلبى يدق بشجن جميل ودعاء بالتوفيق والسلام لبيتكم المتميز

تحياتى

رحــــيـل said...

ربنا يهنيكوا يارب
ويديم عليكم المحبه والتفاهم
احاسيس كتير حاستها وانا بقرأ كلماتك
بجد اكيد مامتك سيده نبيله ورائعة
فمن تتصرف هكذا
لا نملك لها سوى كل الحب والاحترام
حتى ان كنا لا نعرفها
واباكى فارس نبيل
وانتى رائعة بحق
خالص تحياتى عزيزتى

Anonymous said...

أسمحى لى ان اترك تعليق الى حد ما انا شخصيا اصنفه فى التعليقات السخيفة و اعطيكى الحق فى مسحه و عدم الرد عليه وقتما شئتى ....

مع كمل احترامى لهذه التجربة و ايمانى الشديد بأن اختلاف الدين ابدا لم يمثل عائق فى الائتلاف و التفاهم و التكاتف و البناء ... و لكن

أريد انو أوجه سؤالى لك انتى ايتها الكريمة الفاضلة ....

انت التى تعرف قدر ليس بضئيل من دينها .... و قرأت سورة ال عمران من قبل عشرات المرات ... أريد أن أسألك ...ألم يدر فى خلدك أن والدتك الكريمة تدين بدين تجادل مع اربابه الرسول صلى الله عليه وسلم و ناقشهم فى نقاط اساسية ... الا وهى انهم لا يؤمنون بوحدانية المولى سبحانه و تعالى تنزه عما يقولون ان يمون له ولد ... كبرت كلمة تخرج من افواههم ان يقولوا الا كذبا ... انت اعلم منى بهذه الايات الكريمة و بحديث سيدنا عيسى مع المولى تبارك و تعالى و يتبرأ فيها من ادعاءات من يقولون انه اله او ابن الله ... تعالى و تنزه عن ان يكون له ولد ...

الم يدر بينك و بين والدتك حوار من قبل ...

لقد احتكيت بأمرأة أمريكية فى المسجد ... اسلمت بعد ان كانت كاثوليكية ... سألتها عن السبب ... قالت انها وجدت ان فكرة سيدنا المسيح هو اله فكرة غاية فى السخافة ... حيث انه كان طفل صغير يحتاج امه لترعاه يريد ان يلهو و يلعب ... فكيف لى ان اقدسه انا العاقلة ... فبحثت فى الديانات و ارتحت للاسلام فاعتنقته ...

اتساءل عن حال امك ... و هى تراك انت و اخوتك الكرام تمارسون الشعائر الدينية او تتناقشون فى مسائل دينية ...

و انت ايتها الابنة الكريمة ... قرأتى الاية التى يقول معناها انه من يأتى بغير الاسلام دينا فلن يقبل منه ... هل خفت على والدتك و حاولت نصحها ...

اعلم انك تعلمين الحديث الشريف الذى يقول فيه الرسول الكريم صلوات الله عليه لأن يهدين الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم

مجرد تساؤلات تحلق فى رأسى اردت ان تشاركينى برأيك

و أعتذر لأى أخ أو أخت مسيحي/ة قد يحدث و يقرأ كلامى هذا و يصيبه الحنق او الغضب ... اختلاف الرأى لا يفسد للود قضية و كل انسان على هذه الارض حر فى اختيار الدين الذى يعتنقه باقتناع عقله و قلبه ...

سلام الله عليك و رحمته و بركاته

شخص يفضل الا يذكر اسمه